16 ألف متر من الراحة: كيف يغيّر الأسفلت المطاطي تجربة الحجاج؟

الأسفلت المطاطي
كتب بواسطة: محمد حازم | نشر في  twitter

يمثل تطوير الأسفلت المطاطي المرن خطوة مبتكرة في مجال البنية التحتية وهندسة الطرق، وهو ما يحدث تحولًا ملحوظًا في كيفية تصميم وإنشاء الممرات ومناطق السير، خصوصًا في البيئات التي تشهد كثافة بشرية عالية مثل المشاعر المقدسة، وإذ يتجاوز هذا الابتكار كونه مجرد مادة للبناء، ليغدو حلا بيئيًا وصحيًا يحقق أهدافًا متعددة في الاستدامة وجودة الحياة.

ففي الوقت الذي تمثل فيه الإطارات المستهلكة مشكلة بيئية كبرى، كونها تُعد من أبرز مصادر التلوث الهوائي عند حرقها، جاءت تقنية الأسفلت المطاطي لتقدم بديلًا عمليًا وفعالًا، حيث يتم تدوير هذه الإطارات وتحويلها إلى مادة مرنة تستخدم في رصف الطرق وممرات المشاة، ولا تقتصر فائدة هذه التقنية على البيئة فحسب، بل تمتد لتشمل صحة الإنسان وراحته، خصوصًا عند استخدامها في المناطق التي تستقبل ملايين الزوار سنويًا، كما هو الحال في مكة المكرمة خلال موسم الحج.


إقرأ ايضاً:في عملية إنقاذ سريعة: حرس الحدود بجازان ينقذ مواطنًا تعرّض لوعكة صحية في عرض البحرالحوشان: طائرات "الدرون" والذكاء الاصطناعي ترصد المشاعر لحظة بلحظة

وقد أظهرت التجارب الميدانية التي أجرتها الهيئة العامة للطرق نتائج لافتة، حيث تبين أن الممرات التقليدية المصنوعة من الأسفلت الصلب تتسبب في ارتداد عنيف للخطوات، مما يضغط بشكل مباشر على مفاصل القدم والكاحل، وهذا التأثير السلبي كان واضحًا بشكل خاص لدى كبار السن الذين يشكلون 53% من إجمالي الحجاج، وقد ساهم ذلك في رفع معدل الإصابات في موسم الحج، حيث تم تسجيل أن 38% من الإصابات تركزت في منطقة القدم والكاحل، ومن هنا برزت أهمية البحث عن بدائل أكثر أمانًا وراحة، فجاء الحل عبر الرصف المرن باستخدام الأسفلت المطاطي.

تتميز الأسطح المصنوعة من هذه المادة بقدرتها العالية على امتصاص الصدمات، ما يخفف العبء على مفاصل الجسم، ويسهم في تقليل احتمالية الإصابات العضلية والعظمية، كما تعزز هذه التقنية من جودة تجربة المشي والركض، وتوفر إحساسًا بالليونة تحت القدم، ما ينعكس بشكل إيجابي على الصحة العامة لضيوف الرحمن، الذين يقطعون مسافات طويلة سيرًا على الأقدام أثناء أداء المناسك.

وفي إطار الاستفادة من هذه التقنية، تم تنفيذ عدد من المقاطع التجريبية من الرصف المرن في مركز الطرق التابع للهيئة العامة للطرق، حيث أظهرت الاختبارات نجاح المادة الجديدة في تقديم أداء متميز في ظروف الضغط والاستخدام المتكرر، ونتيجة لذلك، قررت الهيئة التوسع في تطبيق هذه التقنية بنسبة تصل إلى 33% مقارنة بموسم الحج السابق (1445هـ)، حيث شملت الأعمال الجديدة الطريق الممتد من مسجد نمرة إلى محطة قطار المشاعر في عرفات، ليبلغ إجمالي مساحة الأسفلت المطاطي المستخدم أكثر من 16 ألف متر مربع.

هذا التوسع يعكس نجاح التجربة وثقة الجهات المعنية بفعاليتها، وهو مؤشر على أن هذا النوع من الرصف قد يصبح معيارًا في مشاريع البنية التحتية المستقبلية، خصوصًا تلك الموجهة لخدمة التجمعات الكبرى، كما أن اعتماد هذه التقنية يتماشى مع أهداف المملكة في تعزيز الابتكار والاستدامة ضمن رؤية 2030، من خلال إيجاد حلول مبتكرة تعزز من جودة الحياة وتقلل من الأثر البيئي.

إضافة إلى ما سبق، تسهم هذه المبادرة في رفع كفاءة استخدام الموارد وتقليل النفايات من خلال إعادة تدوير الإطارات، وهو ما يعكس نهجًا شموليًا يجمع بين التقنية والبيئة والإنسان، ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة المزيد من التوسع في استخدام هذا النوع من الأسطح الذكية، ليس فقط في مكة والمشاعر المقدسة، بل في المدن والمناطق الحيوية الأخرى في المملكة، ليتحول الأسفلت المطاطي من تجربة ناجحة إلى معيار وطني جديد في تصميم البنية التحتية المستدامة.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook