وادي السيليكون يحط في الرياض: تحالف تاريخي لعصر الذكاء الاصطناعي

في مشهد غير مسبوق يؤكد تصاعد أهمية المنطقة كمركز عالمي للابتكار والتقنية، شهدت العاصمة السعودية الرياض، يوم الثلاثاء، حدثًا استثنائيًا تمثل في زيارة وفد رفيع المستوى من وادي السيليكون، ضم نخبة من قادة أكبر شركات التكنولوجيا الأمريكية، يتقدمهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعدد من كبار مستشاريه.
جاءت هذه الزيارة بهدف استكشاف فرص التعاون الاستثماري في القطاعات التقنية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، وذلك في خطوة تعكس الرغبة المتبادلة بين الجانبين في بناء شراكات استراتيجية تواكب التحولات الكبرى في الاقتصاد الرقمي.
إقرأ ايضاً:مكافحة المخدرات تضبط مروج إمفيتامين في الشرقية بحوزته كمية كبيرةخطة إخلاء فرضية في مدارس الطائف: تدريب واقعي لتعزيز ثقافة السلامة المدرسية
اللقاء الذي وصفته صحيفة "واشنطن بوست" بأنه الأكبر من نوعه منذ سنوات طويلة، جمع تحت سقف واحد قادة صناعة التقنية الذين توافدوا إلى الرياض بتركيز واضح على الاستفادة من الفرص الواعدة التي تقدمها المملكة، في ظل رؤية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستثمار في قطاعات الابتكار.
وأشاد ترامب خلال اللقاء بأهمية الحضور، معتبرًا أن هذا النوع من اللقاءات ليس مجرد زيارة رمزية، بل بوابة حقيقية لعقد شراكات مؤثرة تحقق منافع متبادلة لجميع الأطراف، في وقت تشهد فيه التقنية طفرة غير مسبوقة يقودها الذكاء الاصطناعي.
ويأتي هذا الانفتاح الاستراتيجي من قِبل شركات وادي السيليكون نتيجة تقاطع مصالح واضح، إذ تحتاج الشركات الأمريكية إلى تدفقات رأسمالية ضخمة لتمويل مشروعاتها المستقبلية في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الرقمية، بينما تمضي السعودية قدمًا في سعيها لتكون مركزًا عالميًا للابتكار والتقنية، عبر جذب الاستثمار وتطوير قطاع التقنية ليكون ركيزة أساسية في اقتصادها المستقبلي، هذه المعادلة جعلت المملكة وجهة جذابة لرؤساء شركات بحجم إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس، الذي حضر اللقاء مؤكدًا اهتمامه بتعميق العلاقة مع المملكة واستكشاف فرص التعاون التكنولوجي.
وكان من بين الشخصيات البارزة أيضًا روث بورات، المديرة التنفيذية للاستثمار في جوجل، التي لعبت دورًا محوريًا في الحوارات المتعلقة بالاستثمار والتقنية، مستفيدة من خلفيتها في وول ستريت، إلى جانب آندي جاسي، الرئيس التنفيذي لأمازون، الذي تركزت مشاركته على البنية التحتية الرقمية، خاصة في ظل إعلان أمازون عن خطط لإنشاء مراكز بيانات سحابية في الرياض، في مؤشر على جدية التوجه نحو الاستثمار طويل الأجل في المنطقة.
كما برز الحضور الاستثماري عبر ممثلي رأس المال الجريء مثل بن هورويتز من شركة "أندريسن هورويتز"، الذي أبدى اهتمامًا خاصًا بفرص الذكاء الاصطناعي، لاسيما مع مناقشة تأسيس صندوق استثماري مخصص لهذا القطاع بالتعاون مع كيانات إقليمية.
وشكل حضور سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، إحدى أبرز لحظات اللقاء، نظرًا لما تمثله شركته في طليعة الابتكار بالذكاء الاصطناعي، وما تبذله من جهود حثيثة لتأمين التمويل اللازم لمشروع عالمي ضخم لتوسيع مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.
من جهة أخرى، كان لرئيس "أنفيديا"، جنسن هوانغ، دور رئيسي في تأكيد أهمية الحوسبة المتقدمة، فيما سجلت ليزا سو، الرئيسة التنفيذية لشركة "إيه إم دي"، حضورًا لافتًا بالإعلان عن شراكة استراتيجية مع جهة إقليمية لتطوير مراكز بيانات بقيمة 10 مليارات دولار، خطوة من شأنها تسريع التحول الرقمي عالميًا، ورفع تنافسية شركتها في سوق معالجات الذكاء الاصطناعي.
ولم يقتصر الحضور على القطاعات التقنية فحسب، بل شمل أيضًا مجالات مرتبطة بالخدمات الذكية، مثل البنية التحتية لمطاعم التوصيل، حيث حضر ترافيس كالانيك، مؤسس "كلود كيتشنز" والمؤسس السابق لأوبر، إلى جانب دارا خسروشاهي، الرئيس التنفيذي الحالي لأوبر، في تأكيد على عمق العلاقة بين الشركة والمملكة، التي تعد من أبرز المستثمرين في أوبر.
أما ترامب، فقد لعب دور الميسر الاستراتيجي في هذه اللقاءات، عبر تقديم دفعة سياسية تدعم انخراط شركات التقنية في أسواق الشرق الأوسط، بما يرسخ مبدأ "الدبلوماسية التجارية" التي تربط بين السياسة والاستثمار، وتمنح التكنولوجيا الأمريكية منفذًا آمنًا إلى رأس المال اللازم لمواصلة توسعها العالمي.
مع اختتام هذا اللقاء الكبير في الرياض، تتضح ملامح مرحلة جديدة من التعاون العابر للقارات، حيث تتلاقى الرؤى والمصالح لتصنع مستقبلًا رقميًا أكثر تكاملًا، تقوده شركات عالمية الطموح، وتدعمه دول تتطلع إلى الريادة في الاقتصاد المعرفي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.