الحرّ يحاصر الخليج .. أربع دول عربية تتصدر قائمة الأعلى حرارة عالميًا

في مشهد مناخي استثنائي، شهدت المنطقة العربية يوم أمس السبت موجة شديدة من الحر، تصدرت خلالها أربع دول عربية قائمة أعلى درجات الحرارة على وجه الأرض، في تأكيد واضح على تأثر المنطقة المتزايد بالظواهر المناخية القاسية.
واحتلت الكويت صدارة الدول المسجّلة لأعلى درجة حرارة، حيث سجل مطار الكويت الدولي 50.1 درجة مئوية، وهي من أعلى القراءات التي سُجّلت عالميًا في هذا اليوم.
إقرأ ايضاً:"لم يكن وداعًا عاديًا".. مشاهد مؤثرة وخدمات فاقت التوقعات في اللحظات الأخيرة لضيوف الرحمن"التعليم والصحة أولًا".. ضوابط صارمة وغير مسبوقة لاستمرار صرف المعاشات للأسر
وتأتي هذه الموجة الحارة نتيجة امتداد كتلة هوائية شديدة السخونة تغطي أجزاء واسعة من شبه الجزيرة العربية، مما أدى إلى ارتفاع ملموس في درجات الحرارة بشكل يفوق المعدلات الموسمية المعتادة.
وقد تسببت الكتلة الحارة التي تُعد من أقوى الكتل الهوائية التي أثرت على المنطقة هذا الصيف، في موجة حر شديدة امتدت من الكويت إلى السعودية وعُمان والإمارات، وتخطت درجة الحرارة فيها حاجز الـ48 مئوية في أكثر من مدينة.
وفي المملكة العربية السعودية، سجّلت المشاعر المقدسة، وتحديدًا مشعر عرفات، 48.6 درجة مئوية، في وقت حساس من الموسم، مع عودة الحجاج واستمرار توافد الزوار للمنطقة.
كما تجاوزت درجات الحرارة 47 درجة في مدن سعودية أخرى مثل الدمام والأحساء، وهي درجات تعكس مدى تأثر البلاد بموجة الحر الممتدة من الشمال إلى الشرق.
أما سلطنة عُمان، فقد كانت حاضرة في قائمة الأعلى حرارة أيضًا، حيث بلغت درجات الحرارة في منطقة فهود 48.4 درجة مئوية.
وجاء هذا الارتفاع بالتزامن مع تأثير مستمر للكتلة الحارة، التي سبّبت طقسًا قاسيًا وجافًا في المناطق الداخلية من البلاد، وسط تحذيرات من التعرض المباشر للشمس خلال ساعات الذروة.
وسجلت الإمارات العربية المتحدة بدورها درجات حرارة مرتفعة، حيث بلغت الحرارة في مطار العين الدولي 47.1 درجة مئوية، مما يجعلها أيضًا ضمن الدول الأربع التي تربعت على قائمة أكثر الأماكن حرارة في العالم خلال يوم السبت.
وتتوقع الأرصاد في الإمارات استمرار ارتفاع الحرارة خلال الأيام المقبلة، خاصة في المناطق الصحراوية والداخلية.
واللافت في هذه البيانات أن ستة مواقع ضمن قائمة أعلى عشر مناطق حرارة في العالم كانت داخل أراضٍ عربية، وهو ما يؤشر إلى نمط مناخي متكرر بدأ يفرض نفسه خلال السنوات الأخيرة، في ظل التغير المناخي العالمي.
ولم تغب دول جنوب آسيا عن القائمة، حيث جاءت ثلاث مناطق في باكستان ضمن أكثر المناطق حرارة، ما يعكس التوسع الأفقي لموجة الحر على مساحة جغرافية واسعة تمتد من الخليج إلى جنوب آسيا.
وفي باكستان، بلغت درجات الحرارة 49 درجة مئوية في باسني، تليها 48.4 درجة في تربت، و48 درجة في جاكوب آباد، وكلها مناطق معروفة تاريخيًا بارتفاع درجات الحرارة، لكنها تشهد الآن موجات أكثر حدة وتكرارًا من ذي قبل.
ويُعد هذا التصاعد مؤشرًا واضحًا على تصاعد وتيرة التغير المناخي وآثاره المباشرة على المناطق الحارة أصلًا.
وكانت تقارير مناخية عدة قد حذّرت في السابق من أن منطقة الخليج ستكون من أولى المناطق التي تتأثر بشكل مباشر وواضح بارتفاع درجات الحرارة.
وقد تشهد بعض مناطقها خلال العقود القادمة أيامًا تُسجّل فيها درجات حرارة تقترب من مستويات قد تكون غير صالحة للعيش البشري في الخارج دون وسائل حماية فعّالة.
وتشهد دول الخليج بالفعل العديد من المبادرات والمشاريع لمواجهة هذا الواقع المناخي، عبر تحسين البنية التحتية، وزيادة المساحات الخضراء، وتطوير نظم الإنذار المبكر، إلا أن التحديات تبقى قائمة أمام ظاهرة لا تعرف الحدود السياسية، وتفرض نفسها بقوة على جدول الأعمال البيئي والاقتصادي.
ومع ارتفاع الحرارة، صدرت تحذيرات من الجهات المختصة في الدول المتأثرة، تدعو السكان لتجنّب التعرض المباشر لأشعة الشمس، وتكثيف شرب السوائل، وتقليل المجهود البدني خلال فترات الذروة.
كما تم التأكيد على أهمية أخذ الاحتياطات اللازمة خاصة لفئات كبار السن والأطفال وذوي الأمراض المزمنة.
وقد شكلت موجة الحر أيضًا تحديًا كبيرًا على صعيد استهلاك الطاقة، حيث ارتفعت معدلات استخدام الكهرباء إلى مستويات قياسية بسبب الاعتماد الكبير على أجهزة التكييف، ما زاد الضغط على شبكات الطاقة في العديد من الدول المتأثرة بالموجة الحارة.
ومن جهة أخرى، دعت مؤسسات الطقس والمناخ في المنطقة إلى متابعة النشرات الجوية بشكل يومي، خاصة في ظل التغيرات السريعة التي قد تطرأ على حالة الطقس، واحتمال تكرار موجات حر مشابهة خلال الأسابيع القادمة، مع اقتراب ذروة فصل الصيف.
ويرى خبراء أن تصدر الدول العربية لقائمة الأعلى حرارة يجب أن يكون دافعًا قويًا لمزيد من الاستثمار في حلول المناخ والطاقة النظيفة، وتطوير بنية تحتية مستدامة قادرة على الصمود في وجه هذه التحولات المناخية المتسارعة.
وفي المحصلة، يوم أمس لم يكن مجرد يوم صيفي عادي، بل كان ناقوس خطر جديد يدق أبواب العالم العربي في وجه تحديات مناخية باتت أكثر قسوة وتعقيدًا، وتستدعي من الجميع، أفرادًا ومؤسسات، وقفة جادة وتحركًا ملموسًا لمواجهة مستقبلٍ يبدو أنه سيكون أكثر حرارة مما مضى.