نيودلهي تعلق اتفاق المياه التاريخي: هل تشتعل حرب باكستان والهند من جديد؟

معاهدة نهر السند
كتب بواسطة: محمد جمال | نشر في  twitter

في تطور جديد يزيد من تعقيد العلاقات بين الجارتين النوويتين، أعلنت الهند استمرار تعليق العمل بمعاهدة نهر السند التي تنظم تقاسم المياه بين الهند وباكستان منذ عام 1960، وصرح وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار، الخميس أن المعاهدة ستظل معلقة إلى حين تنفيذ باكستان لمطالب محددة لم يفصح عنها تفصيلًا، لكنها تأتي في سياق التصعيد الأمني الأخير الذي شهده الشطر الهندي من إقليم كشمير المتنازع عليه.

وهذه الخطوة تأتي بعد الهجوم الدامي الذي استهدف مدينة باهالغام السياحية في 22 أبريل وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، وهو الهجوم الذي ألقت الهند مسؤوليته على جماعة متشددة مقرها باكستان، في حين نفت إسلام آباد أي علاقة لها بالحادث.


إقرأ ايضاً:الأمن البيئي يضبط مخالفًا أشعل النار في محمية طويق الطبيعيةجامعة حائل تُكرم الطالب الراحل عبد اللطيف اللحيدان بمنحه البكالوريوس

الهجوم أعاد إشعال التوترات بين البلدين، وسرعان ما ردت الهند بإطلاق صواريخ على مواقع داخل الأراضي الباكستانية، قالت إنها تأوي عناصر من الجماعة المتهمة، والتصعيد لم يقف عند هذا الحد، بل تبعته موجة من الهجمات المتبادلة بين الجانبين، شملت استخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة والمدفعية الثقيلة، ما أسفر عن مقتل 60 شخصا على الأقل ونزوح آلاف المدنيين من المناطق الحدودية، في واحدة من أعنف جولات المواجهة منذ حرب كارغيل عام 1999.

مع تصاعد القلق الدولي من اندلاع حرب شاملة بين القوتين النوويتين، تدخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عبر وساطة مفاجئة، أفضت إلى إعلان هدنة مساء السبت الماضي، ورغم النبرة الحادة في التصريحات الرسمية من الطرفين، إلا أن الهدنة ما زالت قائمة، وتم تمديدها حتى يوم الأحد المقبل، وفق ما أعلنه الطرفان الخميس، مما يعكس رغبة ضمنية في تجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة قد تكون عواقبها كارثية.

غير أن تعليق العمل بمعاهدة نهر السند يمثل مؤشرًا خطيرًا على حجم التدهور في العلاقات الثنائية، نظرًا لما تمثله هذه المعاهدة من أهمية حيوية لكلا البلدين، فهي تنظم تقاسم المياه في حوض نهر السند وروافده، وتوفر إطارًا لتفادي النزاعات المائية، في منطقة تعتمد بشكل كبير على الزراعة، وسبق للهند أن لوّحت أكثر من مرة بإمكانية تعديل أو تعليق الاتفاق، لا سيما في فترات التوتر الأمني مع باكستان، لكنها لم تقدم على هذه الخطوة إلا نادرًا، ما يجعل قرارها الأخير تصعيدًا غير مسبوق.

القرار الهندي لا يعكس فقط رد فعل على هجوم بعينه، بل يعبر عن تحوّل في سياسة نيودلهي تجاه إسلام آباد، مدفوعًا بما تعتبره تهاونًا باكستانيًا في كبح الجماعات المسلحة الناشطة في كشمير، وتقول الهند إن المعاهدة التي صمدت لأكثر من ستة عقود رغم الحروب والنزاعات، لم تعد مجدية إذا لم تكن مصحوبة بضمانات أمنية، ومن جانبها، تعتبر باكستان أن التهديدات الهندية باستخدام المياه كسلاح سياسي، تمثل خرقًا خطيرًا للقانون الدولي ومبادئ المعاهدات، مؤكدة التزامها بالمعاهدة رغم ما تصفه بالاستفزازات الهندية.

المراقبون يرون أن النزاع المائي قد يشكل ساحة جديدة للصراع بين الجانبين، في ظل تغيّر المناخ وشح الموارد المائية، وتزايد الاعتماد على الزراعة والري، كما أن تعليق المعاهدة قد يؤثر على مشاريع تنموية ضخمة في باكستان تعتمد على تدفق مياه النهر من الأراضي الهندية، مما يرفع منسوب التوتر ويزيد الضغوط على الحكومة الباكستانية للرد.

في هذا السياق، تتزايد الدعوات الدولية للتهدئة، إذ حثت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الطرفين على ضبط النفس والعودة إلى طاولة المفاوضات، محذرين من أن أي تصعيد جديد قد يخرج عن السيطرة، ويهدد استقرار منطقة جنوب آسيا بأكملها، ورغم التهدئة المؤقتة التي فرضتها الهدنة، فإن استمرار تعليق المعاهدة يعكس هشاشة الوضع ويؤشر لاحتمال تجدّد العنف في أي لحظة.

يرى محللون أن استمرار التوتر المائي قد يتحول إلى أزمة دبلوماسية طويلة الأمد، ما لم تُبادر الأطراف إلى إعادة إحياء آليات الحوار التي أرستها المعاهدة، بما يشمل الاجتماعات الفنية والرقابة الثنائية على المشاريع المائية، ولكن في ظل الأجواء الحالية، يبدو أن نيودلهي تراهن على التصعيد كوسيلة للضغط السياسي، بينما تسعى إسلام آباد لحشد التأييد الدولي لتأكيد شرعية حقوقها المائية.

تبقى كل الخيارات مفتوحة، وسط قلق دولي متزايد من أن يتحول الصراع بين الهند وباكستان إلى أزمة إنسانية ومناخية، لا سيما في ظل تعطل سبل التعاون الإقليمي، وتراجع فرص الوساطات الفعالة، في بيئة سياسية مشحونة تنذر بمزيد من المفاجآت غير المحسوبة.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook