فوضى في الأجواء.. كيف تسبب إضراب في فرنسا في إلغاء وتأجيل 12 رحلة من المملكة؟

في مشهد بات يتكرر بشكل مقلق مع بداية كل صيف، دخلت الأجواء الأوروبية في حالة من الفوضى العارمة، بعد أن بدأ مراقبو الملاحة الجوية في فرنسا إضرابًا وطنيًا جديدًا، محولين أحلام آلاف العائلات بقضاء عطلة هانئة إلى كابوس من الإلغاءات والتأجيلات والانتظار المرير في المطارات.
هذا الإضراب، الذي بدأ يوم الخميس ويستمر حتى مساء الجمعة الخامس من يوليو، لم يأت في توقيت أسوأ، حيث تزامن مع انطلاق موسم العطلات الصيفية المدرسية في أوروبا، وهي الفترة التي تشهد ذروة الحركة الجوية، مما انعكس بشكل مباشر وفوري على المسافرين من المملكة العربية السعودية، الذين وجدوا أنفسهم في قلب هذه الأزمة.
إقرأ ايضاً:أسعار الذهب تتراجع بالسعودية وعيار 21 يسجل 352 ريالًاالأرصاد تُحذر من طقس الجمعة .. سحب رعدية ورياح نشطة تضرب عدد من مناطق المملكة
وبحسب مصادر ملاحية، فقد تأثرت ما لا يقل عن 12 رحلة جوية مباشرة كانت مبرمجة بين مدن سعودية والعاصمة الفرنسية باريس، حيث تسببت الفوضى في تأجيل بعضها وإلغاء البعض الآخر، بعد أن أصدرت هيئة الطيران المدني الفرنسية تعليمات صارمة لشركات الطيران بتقليص رحلاتها بشكل كبير.
وشملت التعليمات خفض عدد الرحلات بنسبة تصل إلى 40% في مطاري العاصمة باريس، شارل ديغول وأورلي، بينما وصلت نسبة الخفض إلى 50% في مطار نيس، أحد أهم الوجهات السياحية الصيفية، بالإضافة إلى نسب متفاوتة في مطارات رئيسية أخرى مثل ليون ومارسيليا ومونبلييه.
ويأتي هذا الإضراب ليلقي بظلال من الشك على خطط التوسع التي كانت مقررة بين المملكة وفرنسا، حيث تقوم حاليًا الخطوط الجوية السعودية وإير فرانس بتشغيل تسع رحلات أسبوعيًا بين الرياض وباريس، مع وجود خطط لزيادة عدد الرحلات لتصبح يومية خلال موسم الذروة، وهي خطط قد تتعرقل بفعل هذه الاضطرابات المتكررة.
الأزمة لم تقتصر على الرحلات من وإلى فرنسا فقط، بل امتدت لتشمل القارة الأوروبية بأكملها، حيث أعلنت شركة "رايان إير" الإيرلندية، أكبر شركة طيران اقتصادي في أوروبا، عن إلغاء 170 رحلة، مما أثر على أكثر من 30 ألف مسافر، وكشف عن مشكلة أعمق يعاني منها الطيران الأوروبي.
وانتقد مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي للشركة، بشدة السلطات الفرنسية، متهمًا إياها بالفشل في حماية "الرحلات العابرة"، وهي تلك التي تستخدم الأجواء الفرنسية كنقطة عبور فقط دون الهبوط في مطاراتها، مثل الرحلات بين بريطانيا واليونان، أو بين إسبانيا وإيرلندا، والتي تتعطل بسبب نزاع لا علاقة لها به.
وفي قلب هذه الأزمة، يقف المراقبون الجويون الفرنسيون، الذين يحتجون على ما يصفونه بـ "نقص مزمن في الموظفين"، وسياسات إدارية "سامة"، بالإضافة إلى تقادم بعض الأنظمة الفنية، مؤكدين أن هذه الظروف تؤثر على سلامتهم وسلامة المسافرين، وهو ما دفعهم للتصعيد في هذا التوقيت الحساس.
هذه المشكلة، التي تتكرر صيفًا بعد صيف، تكشف عن هشاشة منظومة المراقبة الجوية في أوروبا، التي لا تزال تعمل بشكل مجزأ، حيث تحتفظ كل دولة بسيادتها على أجوائها، مما يعني أن إضرابًا في دولة واحدة، خاصة إذا كانت بحجم وموقع فرنسا الجغرافي، قادر على شل حركة الطيران في القارة بأكملها.
ودفع هذا الوضع شركات الطيران، وعلى رأسها أوليري، إلى مطالبة المفوضية الأوروبية بالتدخل العاجل، وتفعيل قوانين تحمي الرحلات العابرة، وتسريع العمل على مشروع "السماء الأوروبية الموحدة"، الذي يهدف إلى إدارة الأجواء ككتلة واحدة، لكنه يواجه عقبات سياسية.
بالنسبة للمسافرين، بمن فيهم القادمون من المملكة، فإن المشهد يبدو ضبابيًا، حيث تتابع السفارات والبعثات الدبلوماسية أوضاع رعاياها العالقين، بينما تدعو شركات الطيران وهيئات السفر كافة الركاب إلى التحلي بالصبر، ومتابعة التحديثات الرسمية بشكل مستمر، والتواصل المباشر مع الشركات الناقلة قبل التوجه إلى المطارات.
إن هذا الإضراب هو أكثر من مجرد نزاع عمالي، إنه يكشف عن أزمة هيكلية في إدارة واحد من أكثر الممرات الجوية ازدحامًا في العالم، ويضع آلاف المسافرين، الذين لا ذنب لهم، كرهائن في صراع بين الحكومات والنقابات، ويدق ناقوس الخطر حول ضرورة إيجاد حلول جذرية تضمن عدم تكرار هذا الكابوس الصيفي.
وفي النهاGية، وبينما يعمل الدبلوماسيون وموظفو شركات الطيران على مدار الساعة للتعامل مع تداعيات الأزمة، يبقى المسافر السعودي، الذي خطط لرحلته منذ شهور، هو الخاسر الأكبر، حيث يجد نفسه عالقًا في مطار أو في مواجهة رحلة ملغاة، في بداية مؤلمة لعطلة كان من المفترض أن تكون للاسترخاء والراحة.