لماذا لا تتعامد أشعة الشمس على الرياض رغم اقترابها الشديد منه؟ .. المسند يجيب

لماذا لا تتعامد أشعة الشمس على الرياض رغم اقترابها الشديد منه؟
كتب بواسطة: احمد باشا | نشر في  twitter

في وقتٍ تتجه فيه الأنظار إلى ظاهرة الانقلاب الصيفي وما يصاحبها من تعامد الشمس فوق بعض المناطق، تبرز مدينة الرياض كنموذج لافت، إذ رغم اقترابها الشديد من نطاق التعامد الشمسي، فإنها لا تشهد هذه الظاهرة بشكل تام، ما يطرح تساؤلات حول السبب العلمي وراء هذا الاستثناء الجغرافي اللافت.

وأوضح أستاذ المناخ بجامعة القصيم الدكتور عبدالله المسند، أن مدينة الرياض لا تدخل ضمن النطاق الذي تتعامد فيه الشمس تمامًا في أي يوم من أيام السنة، رغم أن موقعها الجغرافي يجعلها من أكثر المدن السعودية قربًا من خط التعامد، مما يترتب عليه أن أشعة الشمس تسقط عليها بشكل شبه عمودي في فترات الصيف.


إقرأ ايضاً:خبر عاجل.. الدفاع المدني يُعلن السيطرة على حريق ضخم في الباحة و"لا إصابات""الاتحاد الآسيوي يفاجئ الهلال".. عقوبات مالية قاسية تضرب "الزعيم" قبل نهائي دوري النخبة!

وأشار المسند إلى أن المسألة ترتبط بعامل فلكي دقيق، يتمثل في موقع الرياض على خط عرض 24.7136 درجة شمالًا، بينما لا تتجاوز الزاوية التي تصل إليها الشمس شمالًا في أقصى حالاتها 23.44 درجة، وذلك في يوم الانقلاب الصيفي الذي يصادف غالبًا الحادي والعشرين من يونيو من كل عام.

ووفقًا لهذا التباين البسيط في خطوط العرض، يتعذر على الشمس أن تبلغ زاوية تعامد كاملة (90 درجة) فوق مدينة الرياض، مما يعني أن الظلال لا تختفي بشكل تام وقت الزوال، حتى في أشد أيام الصيف حرارة، وتبقى ظلال الأشياء قائمة ولكن قصيرة جدًا بفعل الارتفاع الشديد للشمس فوق الأفق.

وبيّن المسند أن هذه المعلومة قد تبدو مفاجئة للكثيرين، خاصة في ظل ما يشعر به سكان الرياض من ارتفاع حاد في درجات الحرارة خلال شهري يونيو ويوليو، حيث يُخيل للكثيرين أن الشمس تقع فوق رؤوسهم مباشرة، غير أن الحسابات الفلكية الدقيقة تؤكد خلاف ذلك.

وتتجسد هذه الحقيقة بشكل أوضح في يوم 21 يونيو، إذ تبلغ زاوية ارتفاع الشمس في سماء الرياض حوالي 88.74 درجة فوق الأفق الجنوبي، وهي زاوية تقارب التعامد إلى حد كبير، لكنها لا تصل إلى حد التطابق التام، ما يحرم الرياض من اختفاء الظلال الكلي في هذا اليوم.

ويُعزى هذا الفارق إلى طبيعة ميل محور الأرض أثناء دورانها حول الشمس، إذ يميل الكوكب بزاوية قدرها 23.5 درجة تقريبًا، ما يجعل الشمس تتنقل بين دائرتي عرض السرطان في الشمال والجدي في الجنوب، دون أن تتجاوزهما، وهو ما يحدد نطاق المناطق التي يمكن أن تشهد تعامدًا شمسيًا مباشرًا.

ووفقًا لهذه القاعدة، فإن المناطق التي تقع بين خطي عرض 23.5 شمالًا و23.5 جنوبًا فقط، هي المؤهلة لرؤية الشمس عمودية تمامًا في أحد أيام السنة، وهذا ما يُعرف بمنطقة المدار، في حين تبقى المناطق الواقعة خارج هذا النطاق، كمدينة الرياض، في منأى عن هذه الظاهرة.

وتُعد هذه التفاصيل ذات أهمية كبيرة بالنسبة للمهتمين بعلوم الفلك والمناخ والهندسة المعمارية، حيث يؤثر غياب التعامد المباشر على طريقة تصميم المباني، وتحديد زوايا الظل، وقياس شدة الإشعاع الشمسي خلال فترات النهار المختلفة، خاصة في المناطق ذات درجات الحرارة المرتفعة.

ويؤكد الخبراء أن وجود ظلال قصيرة حتى في ذروة الصيف، هو عامل مساعد في تخفيف حدة الانبعاث الحراري من الأسطح والأرصفة، مقارنة بما يحدث في المناطق التي تشهد تعامدًا شمسيًا تامًا، إذ تتسبب الأخيرة في تسخين مباشر ومكثف للأسطح المكشوفة.

ورغم أن الرياض لا تشهد تعامدًا كليًا، إلا أنها تُصنف ضمن أكثر مدن المملكة تعرضًا لأشعة الشمس بشكل شبه عمودي، ما يفسر الشعور الشديد بالحرارة في النهار، خاصة مع قلة الغطاء النباتي وارتفاع الكتلة العمرانية التي تحتفظ بالحرارة لفترات طويلة.

ويُضاف إلى ذلك أن الارتفاع البسيط عن خط الاستواء يمنح مدينة الرياض عددًا من الخصائص المناخية المتطرفة، التي تتجلى في تباين كبير بين درجات الحرارة ليلًا ونهارًا، فضلًا عن الانخفاض النسبي في الرطوبة مقارنة بالمناطق الساحلية، ما يُفاقم من الإحساس بحرارة الشمس.

وبحسب دراسات مناخية متعددة، فإن زاوية ميلان الشمس في سماء المدينة تعد من أعلى الزوايا المسجلة في المملكة، ما يجعل الفترة الممتدة من منتصف يونيو حتى نهاية يوليو من أشد الفترات حرارة على سكان المدينة، حتى وإن لم تكن الزاوية تبلغ درجة التعامد التام.

ومن المعروف أن تأثير الشمس لا يتوقف فقط على زاوية سقوط أشعتها، بل يتأثر أيضًا بعدد ساعات سطوعها، وطبيعة الغلاف الجوي، ومستوى الانعكاس الحراري من الأرض، وهي عوامل تتضافر معًا لصياغة نمط مناخي خاص بكل مدينة.

ويُلفت المسند إلى أن هذه الظاهرة ليست حكرًا على الرياض فقط، بل تشمل العديد من المدن الواقعة شمال مدار السرطان، والتي تشهد صيفًا طويلًا وحارًا، دون أن تمر فوقها الشمس عمودية تمامًا، مما يخلق فارقًا علميًا دقيقًا لا يلحظه العامة بسهولة.

ويُشكل هذا النوع من التوعية الفلكية أهمية متزايدة في فهم الظواهر المناخية، خاصة في ظل التغيرات البيئية المتسارعة، التي تُحتم على السكان والإدارات المعنية الاستعداد المسبق لمواسم الحرارة المرتفعة، والتخطيط الحضري المناسب للتعامل مع تبعاتها.

ولا تزال مدينة الرياض واحدة من أبرز المدن التي تُثار حولها تساؤلات علمية متعددة، سواء من حيث موقعها الجغرافي، أو خصائصها المناخية المتقلبة، أو علاقتها بالمظاهر الفلكية الدورية التي تؤثر على الحياة اليومية للسكان.

ويؤكد المهتمون بعلم الفلك والمناخ أن المعرفة بهذه التفاصيل الدقيقة تسهم في رفع الوعي العام، وتُعزز من قدرة المجتمع على التفاعل مع البيئة الطبيعية بذكاء وتخطيط علمي مدروس، في مواجهة التحديات المناخية المتزايدة.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook