الانقلاب الصيفي يبدأ غدا.. والحصيني يؤكد المملكة تدخل "الفرن الفلكي"

قال الباحث في الطقس والمناخ عبدالعزيز الحصيني، إن يوم السبت المقبل سيكون محطة فاصلة في السنة المناخية، حيث تشهد المملكة "الانقلاب الصيفي"، الظاهرة الفلكية التي تُعلن رسميًا بدء فصل الصيف فلكيًا في نصف الكرة الشمالي، وتُرافقها تحولات ملحوظة في درجات الحرارة.
وأوضح الحصيني أن الشمس ستتعامد عند الظهيرة على مدار السرطان، وتحديدًا جنوب العاصمة الرياض، بالقرب من حوطة بني تميم، وهو أقصى مدى تصل إليه أشعة الشمس شمالًا خلال العام، في مشهد سنوي يعيد تشكيل المشهد الحراري للمنطقة.
إقرأ ايضاً:تغييرات مرتقبة تعيد تشكيل بيئة العمل الأهلي..منصة "استطلاع" تفتح الباب لتطوير اللائحةبوجبا إلى الاتحاد؟!.. نجم فرنسا يختار السعودية بعد إيقاف المنشطات
وأكد أن هذا التعامد يُعد بمثابة بداية الصيف من الناحية الفلكية أو "الظاهرية"، وذلك بمعزل عن التقويمات التقليدية التي تحدد الفصول تبعًا للتغيرات المناخية الفعلية، مشيرًا إلى أن هذا الحدث يُرصد علميًا بدقة، ويُعتمد عليه في تقويم العديد من الظواهر الجوية اللاحقة.
وبيّن أن العرب في السابق كانوا يربطون هذا اليوم بمصطلح "حر الانصراف"، حيث يُقال في الموروث الشعبي "لا حر إلا بعد الانصراف"، أي أن الحرارة الحقيقية تبدأ بعد انصراف الشمس من نقطة التعامد، رغم أن الناس يشعرون بالحر قبل ذلك، إلا أن الذروة لا تُسجَّل إلا بعد هذا اليوم.
وأشار إلى أن هذه الحكمة الشعبية كانت تعتمد على الملاحظة الدقيقة والتجربة المتراكمة، وقد أثبتت الدراسات الحديثة دقتها من حيث توقيت اشتداد الموجات الحارة بعد الانقلاب الصيفي، لا سيما في المناطق الداخلية من شبه الجزيرة العربية.
ويُعد الانقلاب الصيفي واحدًا من أبرز الظواهر الفلكية المرتبطة بالمواسم المناخية، إذ إنه يُمثّل أطول نهار وأقصر ليل في السنة، قبل أن تبدأ الشمس بالتراجع تدريجيًا نحو الجنوب، ما يُمهّد لتغيرات تدريجية في طول اليوم ودرجات الحرارة لاحقًا.
ويتزامن هذا التغير مع بداية ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، حيث يُسجّل العديد من المناطق أرقامًا قياسية خلال الأسابيع اللاحقة، لا سيما مع دخول موسم الجمرات، وهو ما يجعل هذا التوقيت محورًا أساسيًا في جداول الراصدين والمزارعين والمهتمين بالحركة الجوية.
وأوضح الحصيني أن هذه المرحلة تتسم بخصائص مناخية دقيقة، تتطلب استعدادًا أكبر لمواجهة موجات الحر، خاصة في المدن الكبرى والمناطق المكشوفة، حيث يُنصح بتقليل الأنشطة في فترات الظهيرة، وشرب كميات كافية من الماء، واتخاذ التدابير الوقائية المناسبة.
وأضاف أن هذه الظاهرة لا تقتصر على التأثير المناخي فقط، بل ترتبط أيضًا بمؤشرات فلكية وتقويمية وثقافية، حيث تُستخدم من قبل العرب منذ القدم لتحديد مواعيد الزراعة والحصاد والتنقل، كما تدخل في الحسابات الفلكية للعديد من المناسبات الدينية والشعبية.
وبيّن أن الموروث العربي زاوج بين المعرفة الفلكية والملاحظة المناخية، ما أنتج معجمًا غنيًا بالمصطلحات المرتبطة بالانقلاب الصيفي ومراحله المختلفة، بدءًا من "القيظ" مرورًا بـ"الجوزاء" وانتهاءً بمواسم الأمطار، في دلالة على العلاقة العميقة بين الإنسان والبيئة في التراث العربي.
وتُعد هذه الظاهرة أيضًا علامة فارقة في نشاط الشمس الظاهري، حيث تكون عمودية على خط مدار السرطان، ما يتسبب بارتفاع حرارة سطح الأرض بشكل أكبر، مقارنة بفترات أخرى من السنة تكون فيها الشمس مائلة على نفس المنطقة.
ويُشير الخبراء إلى أن رصد هذا الحدث يُعزز من دقة التنبؤات الجوية على المدى المتوسط، كما يُستخدم في بعض التطبيقات الفلكية المرتبطة بتحديد اتجاهات القبلة وظلال المباني ومعايير التصميم المعماري في المناطق الحارة.
وفي ظل التغيرات المناخية العالمية، يولي الباحثون اهتمامًا متزايدًا بظواهر مثل الانقلاب الصيفي، باعتبارها مؤشرات دقيقة على تحولات كبرى في المناخ الإقليمي، وهو ما يُعيد أهمية هذه المعرفة إلى الواجهة في ظل التحولات البيئية المتسارعة.
وختم الحصيني بالقول إن يوم الانقلاب الصيفي ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو نقطة بداية لسلسلة متتابعة من التغيرات المناخية، تفرض على الجميع من جهات رسمية ومواطنين، مزيدًا من الحذر والاستعداد للتعامل مع موجات الحر المقبلة.