من فيسبوك إلى الاستعباد: كيف يخدع الذكاء الاصطناعي آلاف الشباب؟

في خضم تصاعد الجرائم الإلكترونية في العصر الرقمي، برزت مزارع الاحتيال المعتمدة على الذكاء الاصطناعي كأحد أخطر التهديدات الأمنية والإنسانية في جنوب شرق آسيا، هذه المزارع، التي تُدار من قِبل عصابات إجرامية منظمة وعابرة للحدود، تحوّلت إلى آلية ممنهجة لاستغلال البشر وتحقيق أرباح تقدر بمليارات الدولارات، في ظل غياب الرقابة القانونية الفاعلة وتعقيد تتبع هذه الشبكات.
بحسب ما أورده موقع "Rest of World"، فإن هذه العصابات تعتمد على تكتيكات استدراج ماكرة تستهدف الشباب في دول نامية مثل إندونيسيا، الصين، إثيوبيا، والهند، تُقدم لهم وعود بوظائف مغرية في مجالات التكنولوجيا والتسويق الرقمي عبر منصات مثل "فيسبوك" و"تيليغرام"، قبل أن يُكتشف لاحقاً أنهم وقعوا ضحية للاتجار بالبشر، يتم نقلهم قسرًا إلى دول مثل ميانمار وكمبوديا ولاوس والفلبين، حيث يُحتجزون في منشآت سرية محاطة بإجراءات أمنية مشددة.
إقرأ ايضاً:الأمن العام يستخدم الدرون لتطبيق أقسى العقوبات على المخالفينرؤية السعودية 2030 على طاولة البنك الإسلامي للتنمية بقيادة وزير المالية!
داخل تلك المراكز، يخضع الضحايا لتدريبات سريعة لا تتجاوز بضعة أيام، يتم خلالها تلقينهم آليات الاحتيال الإلكتروني باستخدام أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة، من بين تلك الأدوات، تقنيات التزييف العميق التي تُستخدم لتوليد مقاطع فيديو وصوتيات مزيفة، وأيضًا نماذج لغوية ذكية قادرة على محاكاة الحوارات البشرية بدقة مخادعة، الهدف من ذلك هو إضفاء طابع المصداقية على عمليات النصب، سواء كانت في شكل استثمارات وهمية أو علاقات عاطفية مُلفقة.
أنيس هداية، المفوض في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بجاكرتا، صرّح بأن آلاف الإعلانات الوظيفية المزيفة تُبث يوميًا عبر الإنترنت، مستهدفة الفئات الأكثر ضعفًا وخاصة من يمتلكون جوازات سفر، وأوضح أن المجندين يُجبرون على العمل في ظروف غير إنسانية، تصل إلى 15 ساعة يوميًا، دون القدرة على المغادرة أو حتى الاتصال بالعالم الخارجي، إذ تُصادر جوازات سفرهم وهواتفهم بمجرد وصولهم إلى تلك المزارع.
واحدة من أكثر الحيل استخدامًا في هذه العمليات هي بناء علاقات عاطفية مزيفة عبر تطبيقات المواعدة، حيث يتم استدراج الضحايا عاطفيًا ثم دفعهم نحو الاستثمار في مشاريع مالية أو عملات رقمية، يتبين لاحقًا أنها كيانات وهمية، هذه الحيلة وحدها كانت مسؤولة عن استنزاف مئات الملايين من الدولارات من ضحايا حول العالم، خاصة في الولايات المتحدة.
اللجنة الفيدرالية للتجارة الأميركية قدّرت الخسائر الناجمة عن عمليات الاحتيال الإلكتروني في الولايات المتحدة خلال عام 2024 بنحو 12،5 مليار دولار، معظمها نتيجة خداع استثماري ذكي تقف خلفه هذه المزارع، وتقول تقارير رسمية إن هذه العصابات باتت تُشكل تهديدًا للأمن الاقتصادي والاجتماعي، ما يستدعي تدخلًا دوليًا أكثر صرامة لتفكيك هذه الشبكات.
ضحايا سابقون تحدثوا لمصادر التحقيق بشرط عدم الكشف عن هويتهم، ورووا تفاصيل مروعة عن أوضاعهم، أحدهم قال إن المزرعة التي عمل بها كانت تقع داخل مجمع محاط بأسوار عالية وكاميرات مراقبة، ولا يُسمح لأحد بالخروج دون إذن أمني، وأضاف أن العقوبات المفروضة على من يحاول الهرب تتراوح بين الضرب والاحتجاز الانفرادي، وأحيانًا يُفرض العمل الإجباري لفترات أطول كعقوبة تأديبية.
في ظل هذا الواقع المظلم، تتفاقم المخاوف من توسع نطاق هذه الظاهرة، خاصة مع التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، الذي بات يوفر أدوات احتيال أكثر تعقيدًا وفعالية، فبينما كانت عمليات النصب سابقًا تعتمد على التواصل المباشر أو البشري، أصبحت اليوم مدفوعة بأنظمة ذكية قادرة على تقليد الأنماط السلوكية، وتوليد نصوص ومحادثات شبيهة بالحقيقية، ما يُصعّب على الضحايا اكتشاف الخدعة.
المعركة ضد هذه العصابات لم تعد فقط مسؤولية الدول المتأثرة، بل تحوّلت إلى قضية عالمية تستدعي تكاتف الجهود الدولية، سواء من خلال تعزيز القوانين أو رفع الوعي العام بخطورة هذه الأنشطة، فكل تأخير في التدخل يتيح للمحتالين توسيع شبكاتهم واستغلال المزيد من الأبرياء، تحت غطاء الذكاء الاصطناعي.