غرامات تصل إلى 700 ريال للباعة المخالفين..بلدية مسقط تشدد القوانين

في خطوة تاريخية تهدف إلى إعادة تشكيل سوق العمل وتعزيز التمكين الاقتصادي للمواطنين، أعلنت بلدية مسقط عن تطبيق قانون جديد يفرض تغييرات جوهرية على أسواق الشارع في العاصمة العمانية، هذا القانون يأتي متسقًا مع أهداف رؤية عُمان 2040 التي تسعى إلى تحقيق استدامة اقتصادية وتنويع مصادر الدخل من خلال دعم القطاع غير الرسمي، وخلق أكثر من 5200 فرصة عمل نوعية للمواطنين خلال السنوات المقبلة.
يهدف هذا القانون إلى تنظيم الأسواق الشعبية التي لطالما شكلت جزءًا أساسيًا من المشهد التجاري في السلطنة، حيث تم الإعلان عن أربع قرارات تنظيمية مركزية تعيد توزيع الأدوار وتضبط القواعد الخاصة بالباعة المتجولين، وخاصةً من حيث منح التراخيص وشروط العمل، ومن بين أبرز هذه القرارات، وقف منح تراخيص البيع المتجول للوافدين بشكل نهائي، في خطوة تعطي الأولوية للمواطنين العمانيين لاحتكار نشاط البيع المتنقل، وهو ما يترتب عليه تغيير جذري في ملامح هذا القطاع الحيوي.
إقرأ ايضاً:بريق المعدن الأصفر يزداد: الذهب يحقق مكاسب جديدة وسط تقلبات الأسواقتنبيه عاجل للمسافرين للنمسا وسلوفينيا من السفارة السعودية عن الرخصة
كما تم إطلاق تطبيق ذكي يحمل اسم "مسقط الإلكترونية" لإدارة جميع تصاريح البيع المتجول والإجراءات التنظيمية المتعلقة بها بشكل رقمي، هذا التحول الرقمي يسهل على الباعة الإجراءات الإدارية، ويوفر بيئة عمل أكثر شفافية وكفاءة، تتماشى مع الاتجاهات العالمية نحو الرقمنة في الخدمات الحكومية.
لم تغفل البلدية أيضًا فرض عقوبات صارمة على المخالفين، حيث أعلنت عن غرامات مالية تصل إلى 700 ريال عماني لكل من يخالف القوانين الجديدة أو يمارس نشاطًا تجاريًا دون ترخيص، وهو ما يعزز من جدية هذه الإجراءات ويضمن التزام الجميع بالمعايير المطلوبة.
ولتسهيل حصول الباعة على التراخيص، تم نشر دليل إلكتروني مبسط يتضمن سبع خطوات سهلة، تبدأ من تحميل تطبيق "بلدية مسقط الذكية" وتسجيل البيانات الشخصية عبر النظام البيومتري، مرورًا باختيار الموقع المناسب من خلال خريطة إلكترونية، وانتهاءً بدفع رسوم رمزية مقدارها 15 ريالًا عمانيًا واستلام الترخيص خلال 48 ساعة فقط عبر البريد الإلكتروني.
هذا التنظيم الجديد حدد عدة مناطق رئيسية لبدء النشاط التجاري، منها سوق مطرح التاريخي الذي يجذب آلاف الزوار يوميًا، وكورنيش القرم الذي يعد وجهة عائلية وترفيهية مميزة، إضافة إلى مجمع بوشر التجاري ومنطقة الخوض التي تشهد توسعًا عمرانيًا كبيرًا، ومواقف الجامعات التي تشكل بيئة مثالية لبيع المنتجات الطلابية والشبابية.
الجانب الاقتصادي من هذه الخطوة لا يقتصر على التنظيم فقط، بل يحمل توقعات إيجابية تدعم التحول، فمن المتوقع أن يشهد قطاع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر نموًا بنسبة 55% بين 2025 و2027، مع انخفاض بنسبة 68% في المخالفات التجارية، ورفع مساهمة الاقتصاد غير الرسمي في الناتج المحلي إلى 8%، مما يعكس نجاح السياسة الجديدة في تعزيز الاقتصاد المحلي.
أما بالنسبة للباعة الوافدين، فقد وضعت البلدية آلية انتقالية تتيح لهم الاستمرار في النشاط التجاري من خلال الدخول في شراكات موثقة مع المواطنين خلال فترة انتقالية لا تتجاوز 90 يومًا، وهذا القرار يوازن بين حماية حقوق المواطنين ودعم التعايش الاقتصادي في المجتمع العماني.
دعمًا للمواطنين الراغبين في بدء مشاريعهم، وفرت وزارة العمل بالتعاون مع برنامج "ريادة" تمويلات تصل إلى 5000 ريال عماني، ما يعزز فرص تأسيس مشاريع ناجحة ضمن الأسواق المتنقلة ويحفز ريادة الأعمال المحلية.
لا تقتصر الخطوات على التنظيم فقط، بل تتضمن تطوير البنية التحتية لأسواق الشارع من خلال تركيب أنظمة دفع إلكتروني تعتمد تقنية NFC، وتوزيع عربات ذكية مزودة بأنظمة تبريد وتحكم حراري، إضافة إلى إطلاق منصة "مسقط ماركت" التي توفر خدمة التوصيل المنزلي للمنتجات، وتنظيم مهرجانات موسمية لجذب الزوار والسياح، فضلاً عن برامج تدريبية لتطوير مهارات الباعة في التسويق وإدارة الأعمال.
يشكل هذا القانون نقلة نوعية في قطاع البيع المتنقل في السلطنة، حيث يجمع بين الحفاظ على الأصالة العمانية في الأسواق الشعبية وبين تحديث طرق العمل بما يتماشى مع متطلبات العصر، ليصبح نموذجًا يحتذى به في المنطقة، ومن خلال هذه الإجراءات، ترسخ مسقط مكانتها كمدينة ذكية واقتصادية مستدامة توفر فرصًا حقيقية للمواطنين وتحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا يدعم رؤية عُمان 2040.
إن ما يحدث اليوم في أسواق الشارع العُمانية هو أكثر من مجرد تنظيم، إنه تحول استراتيجي يعكس رؤية واضحة للمستقبل الاقتصادي الوطني، ويؤكد التزام السلطنة بدعم التمكين الاقتصادي لمواطنيها وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال في الفضاء العام.