الدكتور المسند يشرح سر النهار المستمر لـ1704 ساعة

في ظاهرة فلكية نادرة ومذهلة، تشهد مناطق شمال ألاسكا بداية واحدة من أغرب وأطول الفترات الزمنية التي يمكن أن يمر بها كوكب الأرض، إذ تشرق الشمس في هذه المناطق ولا تغرب مطلقًا طوال 71 يوماً متتالياً، في مشهد يعكس عظمة الكون ودقة حركة الأجرام السماوية، ووفق ما كشفه أستاذ المناخ السابق بجامعة القصيم الدكتور عبدالله المسند، فإن هذه الظاهرة بدأت فعليًا اليوم، ومن المنتظر أن تستمر حتى 27 يوليو المقبل، ما يعادل نحو 1704 ساعات من الإضاءة المتواصلة بلا انقطاع.
ويحدث هذا الحدث الاستثنائي سنويًا في أقصى شمال الكرة الأرضية، وبالأخص في المناطق التي تقع ضمن الدائرة القطبية الشمالية، حيث تسطع الشمس دون أن تغيب أبدًا، فتغمر السماء بضوئها دون توقف، ويغدو الليل مفهوماً غائباً عن هذه البقاع طوال أكثر من شهرين، وهو ما يُعرف علميًا باسم "النهار القطبي".
إقرأ ايضاً:الاتحاد يعزز صدارته و مستقبل أربعة أندية على المحك مع اشتعال صراع الهبوط في الجولات الأخيرةالأرصاد والحقيل: استعدوا لعواصف ترابية وموجة حارة تضرب المملكة
وبحسب ما أوضحه الدكتور المسند، فإن السبب الرئيسي وراء هذا الامتداد الزمني الغريب للنهار يعود إلى ميل محور دوران الأرض بزاوية 23،5 درجة، حيث يؤثر هذا الميل على توزيع الضوء على سطح الأرض أثناء دورانها حول الشمس مرة واحدة كل 365 يوماً، ما ينتج عنه تباين في طول الليل والنهار خلال فصول السنة.
ويشرح المسند أن كلما اتجه الإنسان شمالاً في فصل الصيف، طال النهار تدريجيًا، حتى يبلغ ذروته في يوم الانقلاب الصيفي الذي يصادف 21 يونيو، وهو اليوم الذي تبقى فيه الشمس مشرقة طوال 24 ساعة كاملة فوق الدائرة القطبية الشمالية، بل إن الضوء لا يغيب لحظة واحدة في بعض المواقع.
وليس الأمر محصورًا في يوم واحد، بل يمتد النهار القطبي في مناطق معينة لأيام وأسابيع وحتى شهور، ويتصاعد هذا الامتداد كلما اقتربنا من القطب الشمالي ذاته، حيث لا تغيب الشمس على الإطلاق لنصف عام كامل، لتغمر القطب الشمالي بنور دائم طوال موسم الصيف القطبي، وهو ما يجعل هذه المناطق تعيش دورة ضوئية مختلفة كليًا عن بقية مناطق العالم.
وفي المقابل، تمر نفس المناطق خلال فصل الشتاء بمرحلة معاكسة تعرف بـ"الليل القطبي"، حيث تغيب الشمس لفترات طويلة تمتد إلى أسابيع وأحيانًا إلى شهور، فيعيش سكان تلك المناطق في ظلام دامس مع غياب كامل لضوء الشمس، وتتحول الحياة إلى ما يشبه سباتًا شتويًا طويل الأمد.
وتفرض هذه التغيرات الفلكية الكبرى أنماط حياة مختلفة على السكان في تلك المناطق، إذ يؤثر طول النهار أو الليل على الإيقاع الحيوي للإنسان، وعلى ساعته البيولوجية، وعلى طبيعة النوم والنشاط، بل حتى على النواحي النفسية والصحية، ما يجعل التكيف مع هذه الظواهر من أبرز التحديات التي تواجه القاطنين في تلك الأقاليم.
وتظل هذه الظاهرة واحدة من أبهى صور الدقة الفلكية التي تحكم حركة الأرض والشمس، وتبرز مدى تعقيد واتزان هذا الكون، كما أنها تجذب اهتمام العلماء والباحثين ومحبي الطبيعة والسفر، الذين يقطعون آلاف الكيلومترات لمشاهدة شمس لا تغيب، في مشهد لا يتكرر سوى في مناطق محدودة على وجه الكوكب.