"هيونداي" تدشّن أول مصنع لها في الشرق الأوسط من قلب السعودية: خطوة استراتيجية نحو ريادة صناعية إقليمية

في حدث تاريخي يعكس تحوّلاً جوهريًّا في خارطة الصناعة السعودية، أعلنت اليوم شركة "هيونداي موتور" الكورية، بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة، عن بدء أعمال الإنشاء لأول مصنع تابع لها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك داخل مجمع الملك سلمان العالمي لصناعة السيارات في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بالمملكة العربية السعودية.
ويمثل المشروع نقطة انطلاق كبرى ضمن جهود المملكة لتنويع اقتصادها، ورفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي، وفقًا لرؤية السعودية 2030، ويعد هذا المصنع تتويجًا لاتفاق استثماري مشترك بين الجانبين، يمتلك بموجبه صندوق الاستثمارات العامة 70% من أسهم "هيونداي الشرق الأوسط لصناعة المحركات"، بينما تحتفظ الشركة الكورية بنسبة 30%.
إقرأ ايضاً:تراجع حاد لسهم STC بنسبة 5.43% في جلسة الأربعاءالأرصاد السعودية تحذر: رياح شديدة وتدني في الرؤية تجتاح هذه المناطق بالمملكة غدًا
والمصنع الجديد، الذي وضع حجر أساسه رسميًا اليوم بحضور كبار المسؤولين من الجانبين، من المتوقع أن يبدأ عملياته الإنتاجية الفعلية مع نهاية عام 2026، بطاقة سنوية تصل إلى 50 ألف وحدة، تشمل سيارات بمحركات احتراق داخلي وأخرى كهربائية بالكامل، ما يجعله أحد أوائل المصانع في المنطقة التي تجمع بين الإنتاج التقليدي والتقنيات النظيفة، ويُعدّ هذا التوسع الصناعي الأول من نوعه لهيونداي خارج حدود آسيا، ويأتي في سياق توجّهها نحو أسواق جديدة واعدة، مستفيدة من موقع المملكة الاستراتيجي، وقدرتها اللوجستية والبنية التحتية المتقدمة التي تحتضنها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر.
وفي تصريحات رسمية خلال مراسم التدشين، أوضح يزيد الحميد، نائب محافظ صندوق الاستثمارات العامة، أنّ المشروع يمثل خطوة محورية لدعم قطاع السيارات المحلي، مشيرًا إلى أن المصنع سيوفر مئات من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، فضلًا عن مساهمته في نقل وتوطين التقنيات الحديثة داخل المملكة.
وأضاف الحميد أن المشروع لا يهدف فقط إلى التصنيع، بل يشكّل أيضًا منصة لتطوير الكفاءات السعودية، وبيئة تدريب متقدمة للمهندسين والفنيين المحليين، مؤكدًا أن المصنع سيساهم في دعم سلسلة التوريد الوطنية، وتشجيع استثمارات محلية وأجنبية في قطاع المركبات.
ومن جانبها، أكدت شركة هيونداي أن هذه الخطوة تمثل بداية مرحلة جديدة من شراكتها مع المملكة، وأنها ملتزمة ببناء مصنع متطور يواكب أعلى معايير الجودة والإنتاج، مع الحرص على الالتزام الكامل بأهداف الاستدامة البيئية، وتحقيق الحياد الكربوني في مراحل الإنتاج مستقبلًا.
وأشار مسؤولون تنفيذيون في الشركة إلى أن اختيار السعودية كموقع لأول مصانعها الإقليمية لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة ثقة عميقة في بيئة الأعمال السعودية، والدعم الحكومي المتواصل، فضلاً عن الطموحات الكبيرة التي تقودها رؤية 2030 لجعل المملكة مركزًا إقليميًا وعالميًا للقطاعات الصناعية الجديدة.
وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية أوسع أطلقها صندوق الاستثمارات العامة في السنوات الأخيرة، تهدف إلى بناء منظومة صناعية متكاملة لصناعة السيارات داخل المملكة، حيث يعمل الصندوق على دعم مشاريع مماثلة بالتعاون مع شركات عالمية كبرى، في إطار سعيه لتقليص الاعتماد على الواردات، وتحفيز الصادرات غير النفطية.
ومن المتوقع أن يؤدي دخول هيونداي إلى السوق المحلي عبر هذه المنشأة إلى خلق توازن في السوق، وزيادة التنافسية، بما يخدم المستهلك السعودي من حيث الجودة والتكلفة وتنوع الخيارات، ويمثل المصنع الجديد إضافة نوعية إلى مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات، الذي أُطلق ليكون مركزًا صناعيًّا رائدًا على مستوى الشرق الأوسط، ويضم عددًا من المشاريع الاستراتيجية في مجال تصنيع المركبات وقطع الغيار والخدمات اللوجستية المرتبطة بها.
ومن المنتظر أن يسهم هذا التجمع الصناعي في إحداث نقلة نوعية في المشهد الاقتصادي للمنطقة الغربية من المملكة، لا سيما من خلال جذب الاستثمارات، وتعزيز المحتوى المحلي، وتوفير بيئة مثالية للابتكار الصناعي، كما يُتوقع أن يكون لمصنع هيونداي دور مهم في دعم الصادرات السعودية إلى أسواق آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، عبر المنافذ البحرية المتطورة في المدينة.
وإن إطلاق هذا المشروع ليس فقط حدثًا اقتصاديًا أو صناعيًا، بل هو أيضًا إعلان رمزي عن دخول المملكة عصر التصنيع الثقيل، واستثمارها الجاد في اقتصاد ما بعد النفط، ومع تطور المشروع في السنوات القادمة، من المنتظر أن يتحول المصنع إلى مركز للتدريب والابتكار والبحث والتطوير في مجال تقنيات السيارات الحديثة، ما سيمنح المملكة أفضلية تنافسية إقليمية، ويعزز من مكانتها كمركز رئيس لصناعة المركبات في المنطقة.