في إنجاز استثنائي .. استبدال كسوة الكعبة المشرفة في زمن قياسي وبدقة عالية

أنجزت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي مراسم استبدال كسوة الكعبة المشرفة لهذا العام الهجري 1447هـ في زمن قياسي، إذ تم تنفيذ كامل العملية خلال ست ساعات وأربعين دقيقة فقط، في حدث يعكس نقلة نوعية في الكفاءة التشغيلية والقدرات التنظيمية التي باتت تتصدر مشهد العناية بالحرمين الشريفين.
وقد بدأت مراسم استبدال الكسوة في تمام الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل الخميس، أول أيام شهر المحرم، وانتهت رسميًا في تمام الساعة السادسة وأربعين دقيقة صباحًا من اليوم ذاته، لتسجل الهيئة بذلك تقليصًا ملحوظًا في زمن التنفيذ مقارنة بالأعوام السابقة، بفارق بلغ أربع ساعات كاملة، وهي مدة كانت تستغرقها المراحل المعقدة في العمليات السابقة.
إقرأ ايضاً:قرار مرتقب بتأجيل مباريات الأهلي في دوري روشن لهذا السبب الاستثمار في العقول: جامعة الملك عبدالعزيز تطلق موهبة 2025 بمشاركة 521 طالبًا وطالبة
ويأتي هذا الإنجاز ثمرة جهد متكامل من قبل الفرق الميدانية والإدارية والفنية، حيث اعتمدت الهيئة أساليب متطورة في التخطيط والتنفيذ، إلى جانب أدوات وتقنيات حديثة أسهمت في رفع جودة الأداء، وضمان انسيابية تامة في كل مرحلة من مراحل الاستبدال، بدءًا من إزالة الكسوة القديمة، وانتهاءً بتثبيت الجديدة على جدران الكعبة المشرفة.
وأكدت الهيئة في بيانها أن أحد أبرز أسباب النجاح يعود إلى عملية الخياطة المسبقة للجهات الأربع من الكسوة، والتي تمت بعناية فائقة في مصانع كسوة الكعبة، مما سهّل التركيب لاحقًا، وقلّل الوقت الذي كان يُهدر سابقًا في عمليات توصيل الأجزاء أثناء العمل الميداني.
كما تضمنت التحضيرات تجهيز الكعبة المشرفة بشكل دقيق قبل الموعد المحدد، وتم تحديد نقاط تثبيت حزام الكسوة باستخدام شريط لاصق لتحديد المواقع العليا والدنيا بدقة، وهو ما ساعد الفنيين على أداء مهامهم بسرعة وكفاءة، دون الحاجة إلى عمليات وزن وتثبيت تستغرق وقتًا طويلًا كما في السابق.
واستبقت الهيئة تنفيذ المهمة بسلسلة تدريبات مكثفة استهدفت جميع الكوادر العاملة، ما زاد من مهارتهم، وعزز ثقتهم أثناء العمل، وأسهم في تسريع الأداء دون المساس بالجودة، وهو ما ظهر جليًا في تناغم الفرق، وانعدام العقبات التقنية خلال سير العمل في الساعات الأولى من الفجر.
وكانت الحبال الخاصة برفع الكسوة قد أُعدت مسبقًا بطول مدروس، مما سهّل على الفرق الفنية تثبيت الكسوة بشكل محكم من السطح، دون الحاجة لتعديلات إضافية أثناء التنفيذ، وهي تفاصيل فنية دقيقة ساعدت على إنجاح المهمة في هذا الوقت القصير، وضمن أعلى معايير السلامة والدقة.
وتعد كسوة الكعبة واحدة من أبرز الشعائر الدينية التي تحظى بمكانة كبيرة في وجدان المسلمين، وتصنع سنويًا من الحرير الطبيعي الخالص والمطرز بخيوط الذهب، وتبلغ كلفتها ملايين الريالات، ويتم تبديلها كل عام في يوم غرة المحرم، كجزء من تقاليد وعناية المملكة الدائمة بالحرمين الشريفين.
كما يُعد تثبيت الكسوة مهمة بالغة الدقة، نظرًا لما تتطلبه من توازن بين الحفاظ على قدسية المكان، وضمان سلامة الفرق العاملة، مما يجعل كل تطوير في آليات التنفيذ إنجازًا تقنيًا وإنسانيًا في آنٍ واحد، وهو ما عكسته التجربة الحالية بنجاح لافت.
ويأتي هذا الإنجاز في إطار توجيهات القيادة الرشيدة، التي تضع خدمة الحرمين الشريفين في مقدمة أولوياتها، وتسعى دومًا إلى تطوير أساليب العناية بالكعبة المشرفة، وتوفير كل الإمكانات التي تضمن سير العمل بأعلى درجات الاحترافية، ووفق خطط تشغيلية متقدمة تراعي الظروف التقنية والزمانية.
وقد أكدت الهيئة في ختام بيانها أن هذا النجاح ليس نهاية المطاف، بل خطوة ضمن مسار طويل من التحديث المستمر، مشيرة إلى أن فرقها تعمل بشكل دوري على تقييم وتحديث جميع آليات العمل الخاصة بالحرمين الشريفين، بما يواكب مستجدات العصر ويخدم قاصدي البيت الحرام بشكل أمثل.
وانعكست هذه الجهود الملموسة في إشادة واسعة من قِبل زوار الحرم المكي الشريف، الذين عبّروا عن إعجابهم بسرعة الإنجاز وجمالية الكسوة الجديدة، وأثنوا على العمل المنظم الذي رافق مراحل التبديل من بدايته حتى نهايته، دون أن يؤثر ذلك على انسيابية الطواف أو انتظام حركة المعتمرين.
وحرصت الهيئة على توثيق جميع مراحل الاستبدال بالصوت والصورة، حيث سيتم أرشفة هذا الحدث الفريد ضمن سجلات التطوير التشغيلي، واستخدامه كمرجع علمي وفني في الخطط المستقبلية، مما يعزز من مكانة الهيئة كجهة رائدة في مجال الإدارة الدينية والفنية في الحرمين الشريفين.
وتسعى المملكة عبر مثل هذه الإنجازات إلى ترسيخ ريادتها في خدمة المشاعر المقدسة، وإبراز الدور الكبير الذي تقوم به في إدارة أبرز المعالم الدينية في العالم الإسلامي، وهو دور يتطلب جهدًا متواصلًا وتخطيطًا بعيد المدى لتحقيق أعلى درجات الإتقان والتميز.
وتعكس سرعة الإنجاز هذا العام مدى التكامل بين مختلف القطاعات التي تشارك في تنفيذ المهمة، من فنيين وإداريين وخبراء صيانة، والذين أظهروا انسجامًا ميدانيًا مثاليًا رغم تحديات الوقت، وهو ما يعكس مستوى الجاهزية العالية والتدريب المستمر الذي تتبناه الهيئة بشكل دوري.
ومن المنتظر أن تستمر هذه الآلية الجديدة في السنوات المقبلة، بعد أن أثبتت فاعليتها في الميدان، ونجحت في تقليص الزمن المستغرق سابقًا إلى الحد الأدنى، دون المساس بالقيم الروحية أو الفنية التي تميز هذا الحدث السنوي البارز.
وفي النهاية، يعكس هذا الإنجاز الكبير مستوى التقدم الذي حققته المملكة في إدارة شؤون الحرمين، ويجسد رؤية طموحة تهدف إلى الحفاظ على قدسية المكان، وتحقيق أعلى معايير الكفاءة التشغيلية، بما يليق بمكانة الكعبة المشرفة في قلوب المسلمين كافة.