حرب جديدة ضد "ملوثي البحار".. السعودية تطلق برنامجاً متطوراً لملاحقة المخالفين بيئياً

أطلق المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي بالشراكة مع شركة “سيل” للأعمال البحرية، برنامجًا متطورًا لمراقبة سواحل المملكة باستخدام طائرات الدرون، في خطوة تُعد من أبرز التحركات البيئية الحديثة في المملكة.
البرنامج الجديد يهدف إلى توظيف تكنولوجيا الطيران الذكي لتتبع الأنشطة البحرية والتقاط صور حية وتحليلات دقيقة، تكشف في لحظتها عن أي ممارسات غير نظامية قد تضر بثروات المملكة البحرية.
إقرأ ايضاً:خطوة هائلة لدعم "السعودية الخضراء".. كيف سيساهم هذا الاكتشاف في نجاح مشاريع التشجير الكبرى؟"المسند يكشف السر"... لماذا صيف محافظة الوجه أقل حرارة؟
يمثل هذا التطور نقلة نوعية في أدوات الرقابة البيئية، خاصة مع ما تتيحه الدرون من تغطية جوية واسعة في وقت قياسي، وبكفاءة أعلى مقارنة بالطرق التقليدية التي تعتمد على الدوريات البحرية أو الرصد البشري.
وأكد المهندس عامر بامنيف، المدير العام لشبكات الرصد في المركز، أن هذه الخطوة تعزز من قدرة الجهات الرقابية على حماية البيئة البحرية، حيث يمكن للدرون الوصول إلى مناطق يصعب تغطيتها بوسائل المراقبة التقليدية.
وأضاف أن البرنامج يعتمد على تقنيات متقدمة في التصوير وتحليل البيانات، ما يتيح كشف الانتهاكات البيئية في مراحلها الأولى، قبل أن تتحول إلى تهديدات أكبر يصعب التعامل معها لاحقًا.
كما أشار بامنيف إلى أن أحد أهم مميزات البرنامج تكمن في سرعة الاستجابة، إذ يمكن تحديد مصدر التلوث والجهة المتسببة خلال دقائق من تلقي الإنذار، مما يسهم في التعامل السريع والفعال مع الحوادث.
ويدخل هذا المشروع ضمن خطة وطنية موسعة لتعزيز استدامة البيئة البحرية، ويُعد تتويجًا للتعاون المشترك بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص في تبني حلول ذكية تحمي الموارد الطبيعية.
ويُنتظر أن يسهم هذا البرنامج في رصد الأنشطة الملوثة مثل التخلص غير المشروع من النفايات، أو الانسكابات النفطية، أو الصيد الجائر في المحميات البحرية، مع توثيق الأدلة بشكل مباشر بالصوت والصورة.
وتُعد سواحل المملكة من أغنى النطاقات البحرية في المنطقة، بما تضمه من تنوع بيولوجي غني، وشعاب مرجانية نادرة، الأمر الذي يتطلب يقظة دائمة وأساليب رقابة عالية الدقة للحفاظ عليها.
ويأتي هذا التوجه في وقت تتصاعد فيه التحديات البيئية المرتبطة بالأنشطة الصناعية والسياحية على الشريط الساحلي، مما يستوجب حلولًا رقمية استباقية تمنع الأضرار قبل وقوعها.
وتُظهر مؤشرات أولية للبرنامج نجاحًا ملموسًا، حيث تم خلال المرحلة التجريبية رصد عدد من التجاوزات البيئية، تم التعامل معها فورًا وتحويلها للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات النظامية.
ويُنتظر أن تُستخدم بيانات البرنامج في تغذية قاعدة معلومات وطنية دقيقة عن حالة السواحل، ما يدعم اتخاذ قرارات أكثر فاعلية في مجال التخطيط البيئي والتنمية المستدامة.
وقد حظي البرنامج بإشادة من خبراء بيئيين، اعتبروا أن إدخال الدرون في مهام الرقابة يُعد تطورًا طبيعيًا في ظل التوجه العالمي نحو الرقمنة، مع الحفاظ على أعلى معايير الحوكمة البيئية.
وأكد المركز أن هذه الخطوة تمثل مجرد بداية في سلسلة من المبادرات التقنية، التي يجري تطويرها بهدف بناء منظومة رقابة بيئية متكاملة تغطي البر والبحر والهواء في آن واحد.
ويأمل المسؤولون أن يتحول البرنامج إلى نموذج وطني يحتذى به، بحيث يمكن نسخه وتطويره ليشمل مراقبة محميات طبيعية ومناطق زراعية ومراكز صناعية معرضة للتلوث.
ولا تزال الخطط جارية لتوسيع نطاق التغطية ليشمل سواحل إضافية ومناطق بعيدة، حيث سيتم تعزيز الأسطول الجوي بطائرات درون أحدث، مزودة بتقنيات رؤية حرارية وتحليل مباشر للملوثات.
ويراهن القائمون على البرنامج على رفع مستوى الوعي البيئي لدى الشركات والمجتمع، من خلال نشر ثقافة الرقابة الذكية، والتأكيد على أن التلوث لم يعد يمر دون رصد أو محاسبة.