خطوة هائلة لدعم "السعودية الخضراء".. كيف سيساهم هذا الاكتشاف في نجاح مشاريع التشجير الكبرى؟

 شجرة السمر
كتب بواسطة: محمد حازم | نشر في  twitter

في إنجاز علمي يعزز مسيرة الاستدامة البيئية في المملكة، تمكن خبير سعودي من تسجيل قفزة نوعية في مجال استزراع النباتات المحلية، بعد أن نجح في رفع نسبة إنبات شجرة "السمر" إلى 97،5% باستخدام تقنيات متقدمة في تهيئة البذور.

الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تعاون علمي مثمر جمع بين وزارة البيئة والمياه والزراعة وجامعة الملك عبدالعزيز.


إقرأ ايضاً:الأرصاد: رياح مغبرة وحرارة شديدة تضرب عدة مناطق اليوم الجمعة"رئاسة الشؤون الدينية"... تعلن بدء خطة موسم عمرة 1447 هجريًا...خدمات متميزة للمعتمرين!

الباحث الدكتور علي بن إبراهيم الزبيدي، ممثل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) الوطني، قاد فريقًا بحثيًا ضم البروفيسور عبدالله الفيل والبروفيسور أحمد باخشوين، وركّزت جهودهم على تطوير حلول لمواجهة تحديات الإنبات في البيئات الجافة وشبه الجافة، حيث تناضل الأشجار للبقاء وسط ظروف مناخية قاسية.

اعتمد الفريق البحثي على تقنيتين رائدتين لتهيئة البذور؛ الأولى المعالجة التناضحية بمركب "PEG-6000"، والثانية المعالجة الهرمونية باستخدام حمض الجبريليك، حيث أثبتت التجارب أن هذا المزيج العلمي يسهم في تحفيز العمليات الحيوية التي تسهم في تسريع النمو وتحسين قدرة النبات على مقاومة الجفاف.

ولعل أبرز ما توصلت إليه الدراسة هو أن استخدام حمض الجبريليك بتركيز 300 جزء في المليون، أدى إلى رفع معدلات الإنبات إلى 97،5%، في سابقة علمية تعني أن شجرة "السمر" باتت أقرب من أي وقت مضى إلى الاستزراع بكفاءة عالية في بيئات كانت تُعد شبه ميؤوس منها.

النتائج لم تتوقف عند الإنبات فقط، بل شملت نمو الشتلات أيضًا، حيث زاد الوزن الجاف لها بنسبة 160% مقارنة بالنباتات غير المعالجة، ما يشير إلى تطور كبير في الأداء البيولوجي للنبات، ويعزز فرص بقائها واستدامتها في الأراضي القاحلة.

هذا الإنجاز نُشر في مجلة علمية محكمة وهي "Journal of Applied and Natural Science"، ما يعكس الاعتراف الدولي بقيمة البحث، ويؤكد أن المملكة بدأت تصدّر حلولها البيئية المحلية إلى العالم عبر بوابة البحث العلمي التطبيقي.

تُعد شجرة "السمر" من الأنواع المحلية ذات الأهمية البيئية، فهي تتحمل الجفاف وتلعب دورًا كبيرًا في تثبيت التربة ومكافحة التصحر، كما تسهم في إعادة التوازن البيئي وتوفير موائل طبيعية للحياة البرية، ما يجعل نجاح استزراعها خطوة استراتيجية في جهود الحفاظ على البيئة.

اللافت أن هذا البحث يأتي ضمن جهود فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة مكة المكرمة، في توجيه العلوم لخدمة التنمية المستدامة، في وقت باتت فيه التغيرات المناخية تمثل تحديًا عالميًا يتطلب ابتكارات محلية قابلة للتطبيق على نطاق واسع.

ويتماشى المشروع مع أهداف مبادرة "السعودية الخضراء" التي أُطلقت لتوسيع رقعة الغطاء النباتي، ومكافحة التصحر، والحد من الانبعاثات، وتحقيق التوازن البيئي على امتداد الجغرافيا السعودية، ما يجعل من نتائج هذا البحث لبنة أساسية في تحقيق تلك الرؤية.

يؤكد الباحثون أن هذا النوع من التقنيات لا يعزز الإنبات فقط، بل يفتح الباب أمام إمكانية نقل التجربة إلى أنواع نباتية محلية أخرى، يمكن أن تُستزرع في ظروف بيئية مشابهة، مما يعني أننا أمام بداية منظومة زراعية متكيفة مع الجفاف لا تستهلك موارد مائية ضخمة.

إن التحول في طريقة التعامل مع التربة والنباتات في المملكة يعكس تطورًا في العقلية العلمية، حيث لم يعد التركيز على كمية الزراعة فقط، بل على جودتها واستدامتها وملاءمتها للبيئة، وهو ما يمثل نقلة في فهم الدور البيئي للنبات.

ويكشف المشروع عن إمكانية تحوّل المناطق المتدهورة بيئيًا إلى مواقع إنتاجية خضراء عبر تكنولوجيا علمية دقيقة، مما يغير النظرة التقليدية إلى استصلاح الأراضي، ويحوّلها من مشروع مكلف إلى استثمار بيئي طويل الأمد.

في ضوء هذه النتائج، باتت شجرة "السمر" التي كانت تُزرع سابقًا بنسبة نجاح محدودة، أقرب إلى أن تصبح أحد رموز الاستدامة البيئية في المملكة، بفضل التطوير العلمي الذي حوّل بيولوجيا النبات إلى أداة مقاومة لتغير المناخ.

ويؤكد هذا الإنجاز أن الحلول لم تعد مستوردة من الخارج، بل تولد من رحم البيئات المحلية، عبر عقول سعودية ترسم ملامح مستقبل بيئي أكثر توازنًا، وتجعل من البحث العلمي بوابة للارتقاء بجودة الحياة وتحقيق الاستقلال المعرفي في مجالات الزراعة والبيئة.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook