"خطوة بيئية غير مسبوقة"... 10 أحياء في جدة تتخلص من الورق بطريقة آمنة

في مشهد يعكس التوجه المتنامي نحو حماية البيئة، انطلقت اليوم حملة "قوافل أصدقاء البيئة" بمدينة جدة، في مبادرة تطوعية ضخمة أطلقها الوقف العلمي بجامعة الملك عبدالعزيز بالتعاون مع جمعية مراكز الأحياء بمنطقة مكة المكرمة، بهدف جمع الورق الفائض والمخلفات الورقية في عشرة من أبرز أحياء جدة والمناطق المجاورة لها.
الحملة الجديدة لا تتوقف عند حدود جمع الورق، بل تمضي قدمًا نحو إعادة تدويره بطرق صحية وبيئية آمنة، بعيدًا عن الأساليب التقليدية التي تتسبب في أضرار صحية وانبعاثات ضارة للبيئة، مما يعزز دور المبادرات التطوعية في التحول البيئي المستدام.
إقرأ ايضاً:في حملة هي الأوسع.. "أمانة مكة" تبدأ "تصحيح أوضاع" 6 أحياء رئيسية.. والإغلاق فوري للمخالفينلتعزيز الوعي بالتسجيل في رياض الأطفال .. تعليم جدة يكسر الروتين بهذه الخطوة
فكرة الحملة تعتمد على فرز المخلفات الورقية من مصدرها، ومن ثم توجيهها لإعادة التدوير عبر آليات منظمة، بما يضمن تحقيق الأثر البيئي الإيجابي، والتقليل من عمليات الحرق العشوائي التي تتسبب في تلوث الهواء ورفع معدلات الكربون.
الهدف الأوسع للحملة يتجاوز الجانب البيئي المباشر، حيث تسعى إلى رفع الوعي المجتمعي بأهمية التدوير، وإشراك الأفراد في عملية التنمية البيئية المستدامة، بما يسهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا تجاه بيئته ومستقبله.
كما تهدف المبادرة إلى تقليص كمية المخلفات التي تصل إلى المرادم، وتحويل الورق المهدر إلى مورد اقتصادي قابل للاستثمار في الصناعات الورقية وغيرها من الصناعات التي تعتمد على المواد الأولية المعاد تدويرها.
ويأمل القائمون على المبادرة في أن تسهم هذه الحملة في الحفاظ على الموارد الطبيعية، والحد من استنزافها غير المبرر، إلى جانب دعم أهداف رؤية المملكة 2030 فيما يتعلق بتحقيق جودة الحياة والبيئة المستدامة.
الحملة تأتي في توقيت بالغ الأهمية، إذ تتسارع فيه التحذيرات الدولية بشأن آثار التغير المناخي، وتزايد الضغط على الموارد الطبيعية، مما يجعل المبادرات المحلية مثل "قوافل أصدقاء البيئة" نموذجًا ملهمًا يمكن تكراره على مستوى مدن المملكة كافة.
ولم تغفل الحملة عن الجانب التوعوي، حيث تم تصميم أنشطة ميدانية مصاحبة تستهدف تثقيف السكان، وتحفيزهم على المشاركة الفعلية من خلال فرز الورق من المنزل أو مقر العمل، والتفاعل مع فرق المتطوعين المنتشرة في الأحياء.
"لا ترمها بل أوقفها"، هو الشعار الذي اختاره الوقف العلمي ليكون المظلة الكبرى التي تنطلق منها هذه الحملة، ضمن سلسلة من المبادرات البيئية التي تهدف إلى تعزيز مفهوم التدوير بوصفه سلوكًا حضاريًا يجب تبنيه من قبل الأفراد والمؤسسات.
ويُحسب للوقف العلمي بجامعة الملك عبدالعزيز ريادته كأول جهة أكاديمية على مستوى المملكة تطلق مبادرة ممنهجة في مجال إعادة التدوير، وتشارك من خلالها المجتمع المحلي في صياغة حلول واقعية للتحديات البيئية المعاصرة.
الحملة تمتد على مدار عشرة أيام متواصلة، من 28 ذي الحجة 1446هـ وحتى 8 محرم 1447هـ، حيث تنطلق القوافل يوميًا لتجوب الأحياء المحددة، مصحوبة بشاحنة مخصصة لجمع الورق التالف، مع تحديد مواقعها بشكل مسبق على المنصات الرسمية التابعة للوقف العلمي.
ويُنتظر أن تحقق الحملة نتائج ملموسة في تقليل الأثر البيئي الناتج عن تراكم الورق، خاصة في أحياء ذات كثافة سكانية عالية، مما يفتح المجال أمام مبادرات مماثلة في المستقبل القريب، تشمل أنواعًا أخرى من المخلفات القابلة لإعادة التدوير.
المبادرة تسهم أيضًا في تعزيز روح العمل التطوعي لدى الشباب، من خلال مشاركتهم في تنفيذ الحملة وتنظيمها ميدانيًا، مما يعزز قيم المسؤولية الاجتماعية والانتماء إلى البيئة والمكان.
وينتظر المتابعون أن يتم توسيع النطاق الجغرافي للمبادرة في نسخها القادمة، لتشمل محافظات ومناطق أخرى في منطقة مكة المكرمة، وسط آمال أن تصبح جدة نقطة الانطلاق لحراك بيئي وطني شامل.
وفي الوقت الذي تواجه فيه المدن الكبرى تحديات متزايدة في إدارة النفايات، تقدم "قوافل أصدقاء البيئة" نموذجًا بسيطًا وفعّالًا يعتمد على الوعي المجتمعي والتطوع كرافعتين أساسيتين نحو بيئة أكثر نظافة واستدامة.
اللافت أن الحملة لا تستهدف فقط التغيير الفوري، بل تسعى لزرع ثقافة بيئية عميقة الجذور، تبدأ من تفاصيل صغيرة مثل فرز الورق في المنزل، وتنتهي بتأسيس وعي جمعي يُسهم في رسم ملامح مجتمع أكثر احترامًا للطبيعة.