"الذكاء الاصطناعي" يتنبأ بالكارثة.. كيف يمكن لخوارزمية جديدة أن تنقذ مدينة ساحلية من "تسونامي" هائل؟

ذكاء اصطناعي
كتب بواسطة: محمد جمال | نشر في  twitter

في خطوة بحثية قد تُحدث تحولًا نوعيًا في أنظمة الإنذار من الكوارث الطبيعية، كشفت دراسة علمية جديدة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على تحسين دقة وسرعة إنذارات تسونامي، خصوصًا في المناطق السياحية الحساسة التي تتعرض لموجات بشرية كثيفة خلال المواسم.

نُشرت الدراسة في مجلة "Coastal Engineering Journal"، وركزت على بلدة "توفينو" الساحلية في كندا، وهي منطقة سياحية شهيرة لهواة ركوب الأمواج، حيث تتضاعف أعداد الزوار في ذروة الموسم، ما يضع تحديًا حقيقيًا أمام أجهزة الإنقاذ والطوارئ في حال حدوث موجة تسونامي.


إقرأ ايضاً:"10 أسماء مرت.. والنتيجة واحدة".. النصر يدفع ثمن غياب التخطيطبشرى لسكان شرق الرياض.. انطلاق محطة جديدة في مسار قطار الرياض بالعاصمة

اعتمد الباحثون على مجموعة من التجارب التي تحاكي سيناريوهات وقوع الزلزال، ووجدوا أن استخدام خوارزميات التعلم الآلي – وتحديدًا تقنية "Random Forest" – يعزز من دقة تحديد لحظة إطلاق الإنذار، مقارنة بالطرق التقليدية المستخدمة حاليًا.

وتقع توفينو على مقربة من صدع كاسكاديا الانغماسي، أحد أخطر المناطق الزلزالية في العالم، حيث تندفع صفيحة خوان دي فوكا تحت قارة أمريكا الشمالية، وهي منطقة قادرة على توليد زلازل عنيفة بقوة تصل إلى 9 درجات، تليها موجات تسونامي هائلة.

تشير التقديرات إلى أن الموجة العاتية الناتجة عن زلزال كبير في هذه المنطقة يمكن أن تصل إلى شواطئ توفينو خلال أقل من 20 دقيقة، في حين أن الإخلاء الكامل للبلدة قد يحتاج إلى 17 دقيقة على الأقل، وهو وقت حرج للغاية، خاصة مع الاكتظاظ المروري المحتمل.

وأوضحت الدراسة أن هذا التأخير الطفيف في إطلاق التحذير – ولو لدقائق معدودة – قد يُحدث فرقًا جوهريًا بين نجاة المئات أو وقوع كارثة، لذلك فإن تعزيز دقة الإنذار يعتبر من المسائل الحيوية التي لا تحتمل الخطأ أو التقدير العشوائي.

ونظرًا إلى افتقار كندا لأرشيف زلزالي محلي شامل يمكن الاعتماد عليه في التدريب، لجأ الباحثون إلى محاكاة حاسوبية متقدمة، لتوليد بيانات اصطناعية تعتمد على ما يُعرف بـ "النماذج الرقمية التوأمية" التي تغطي سيناريوهات متعددة.

واستخدم فريق العمل بقيادة البروفيسور كاتسويتشيرو غودا خوارزمية "الغابة العشوائية"، وهي تقنية ذكاء اصطناعي تعتمد على توزيع المعالجة بين نماذج متعددة، بحيث يحلل كل نموذج جزءًا من البيانات ويشارك بتوقعه النهائي ضمن نظام التصويت الجماعي.

وبحسب نتائج الدراسة، فإن هذه التقنية رفعت دقة التنبؤ بنحو 15% مقارنة بالأساليب التقليدية، كما أظهرت نماذج المحاكاة أن معدل نجاح عمليات الإخلاء زاد حين تم استخدام هذا النموذج الذكي في اختيار لحظة الإنذار المثلى.

أوصى الباحثون بضرورة تأخير الإنذار لبضع ثوانٍ فقط، بحيث تتمكن الخوارزمية من تحليل البيانات اللحظية بدقة أعلى، خاصة في المراحل الأولى للزلزال، حيث يصعب التقدير الدقيق للعمق والموقع وقوة الانكسار التكتوني.

هذا التوقيت الدقيق له أهمية قصوى في منع ظاهرة "الإنذارات الزائفة"، التي تُفقد الجمهور ثقته مع الوقت، وهي ظاهرة سُجلت بوضوح خلال كارثة تسونامي اليابان عام 2011، عندما تجاهل بعض السكان التنبيهات اعتقادًا منهم أنها خاطئة.

وقد أعلن فريق الدراسة أنه يعتزم اختبار النظام الجديد ميدانيًا في خريف العام الحالي، خلال تمرين الإخلاء السنوي في توفينو، وإذا أثبت فعاليته، فقد يكون بداية سلسلة من التحديثات العالمية على أنظمة التحذير في مناطق الساحل.

ويرى مراقبون أن هذه الدراسة ليست مجرد مقترح أكاديمي، بل تمثل نقلة حقيقية نحو إدماج الذكاء الاصطناعي في إدارة الكوارث، حيث يتفوق على الإنسان في تحليل البيانات الضخمة لحظيًا، وهو ما يجعل منه أداة إنقاذ قبل أن يتحول الزلزال إلى مأساة.

النتائج تبعث برسالة واضحة إلى صُنّاع القرار في الدول الساحلية والسياحية على وجه الخصوص، فمع تطور التقنية لم تعد الكارثة قضاءً حتميًا، بل يمكن التخفيف من آثارها، وربما منعها، متى ما استُخدمت الخوارزميات في الوقت والمكان المناسبين.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook