هل هو "وهم" جديد؟ لماذا يشكك خبراء الصناعة في قدرة "ترامب موبايل" على إنتاج هاتف أمريكي؟

في خطوة مفاجئة تحمل طموحات اقتصادية وتكنولوجية، تسعى مؤسسة ترامب لاقتحام عالم الهواتف الذكية بهاتف يحمل شعار "صُنع في أميركا"، متحدية بذلك عملاقة الصناعة العالمية التي لطالما اعتمدت على سلاسل التوريد الآسيوية.
هذه المبادرة جاءت من خلال شراكة غير تقليدية مع شركة صغيرة تدعى "ليبرتي موبايل وايرلس"، مقرها شقة داخل برج ترامب المطل على شاطئ ميامي.
إقرأ ايضاً:استثمارات ضخمة ترسّخ حضور سيسكو في موانئ المملكةخالد الشنيف: ميسي في طريقه إلى الدوري السعودي خلال الأشهر المقبلة
المبادرة تقودها العائلة نفسها، عبر دونالد ترامب الابن وإريك ترامب، حيث يستثمران اسم العائلة التجاري في سوق الاتصالات، وبينما يبدو الهدف هو إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي، إلا أن التنفيذ يعتمد على شبكة افتراضية متنقلة، وليس على بنية تحتية مستقلة كما قد يتبادر إلى الذهن من شعار "صنع في أميركا".
"ترامب موبايل" التي أُعلن عنها حديثًا، تعهدت بإطلاق أول هاتف ذكي أميركي الصنع بحلول سبتمبر المقبل، المهمة تُوكل إلى "ليبرتي موبايل وايرلس"، وهي شركة تأسست عام 2018 على يد رجل أعمال يُدعى مات لوباتين، وقد عمل سابقًا على إنشاء عدة شركات صغيرة أُغلقت معظمها لاحقًا.
ليبرتي موبايل، مثل غيرها من مشغلي الشبكات الافتراضية، لا تملك شبكة خاصة بها، بل تشتري سعة من شركات كبرى مثل AT&T وVerizon وT-Mobile، ثم تقدم خدماتها تحت اسم مختلف، ومن اللافت أن الشركة تضم أقل من 50 موظفًا فقط، ما يثير تساؤلات عن مدى جاهزيتها لمشروع بهذا الحجم.
رغم هذا، شهدت استمارة الطلب لهاتف "ترامب موبايل" ضغطًا كبيرًا عقب الإعلان، ما أدى إلى تعطلها، بحسب ما ذكر أحد الموظفين، وقد يُشير ذلك إلى وجود طلب أولي حقيقي أو مجرد موجة فضول مدفوعة باسم ترامب.
الهاتف المرتقب، الذي سيحمل اسم T1، يُفترض أن يكون بسعر 499 دولارًا، لكن مواصفاته بحسب الموقع الرسمي تشبه إلى حد كبير أجهزة أندرويد متوسطة من شركات صينية مثل "فيفو" و"Umidigi"، ما يضع علامة استفهام على مدى تفرده أو أصالته.
دونالد ترامب الابن وإريك ترامب قدّما ثلاثة مديرين تنفيذيين خلال فعالية إطلاق الهاتف في نيويورك، دون تقديم معلومات تفصيلية عن خلفياتهم المهنية، باستثناء الإشارة إلى امتلاكهم "مئات السنين من الخبرة المجمّعة"، وهي عبارة ترويجية أكثر منها تقييم واقعي.
التحدي الأكبر أمام المشروع ليس التسويق أو التوزيع، بل الوفاء بالوعد المعلن: إنتاج هاتف ذكي فعليًا داخل الولايات المتحدة، وهذا ما وصفه خبراء الصناعة بالمهمة شبه المستحيلة، نظرًا لتعقيد سلاسل التوريد واعتماد معظم المكونات الدقيقة على مصانع خارجية، خاصة في الصين وتايوان وكوريا الجنوبية.
تود ويفر، المدير التنفيذي لشركة أميركية تصنّع هواتف في كاليفورنيا، شكك في إمكانية تنفيذ هذا الوعد خلال هذا الإطار الزمني، وأوضح أن بناء سلسلة توريد أميركية متكاملة يتطلب سنوات من الاستثمار والخبرة، مشيرًا إلى تجربته الشخصية حين اضطر للسفر إلى الصين في بداية مشواره.
حتى إن استطاعت "ترامب موبايل" تجميع الهاتف داخل أميركا، فإن الحصول على تصنيف "صُنع في الولايات المتحدة" لا يعتمد على موقع التجميع فقط، بل يشترط أن يكون معظم أو كل المكونات محلية، وفقًا لإرشادات لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية، وهو ما يزيد من تعقيد المعادلة.
ويبدو أن الهاتف يستهدف شريحة منخفضة إلى متوسطة من السوق، حيث تشير الإحصاءات إلى أن الهواتف بين 400 و600 دولار تمثل حاليًا أقل من 5% من المبيعات الأميركية، وهي شريحة تشهد منافسة شديدة من أبل وسامسونغ وشركات صينية ناشئة.
في النهاية، يُجمع المحللون على أن طموح "ترامب موبايل" قد يحمل بعدًا سياسياً بقدر ما هو اقتصادي أو تقني، فالعلامة التجارية تحمل ثقلاً جماهيريًا، لكنها أيضًا محاطة بالجدل، ما يجعل مستقبل الهاتف بين احتمالات الفشل التسويقي أو النجاح الرمزي.
جيه فيلدهاك، مدير الأبحاث في "كاونتربوينت ريسيرش"، اختصر الموقف قائلاً: "على ترامب موبايل أن توازن بين الوعد الكبير بشعار صنع في أميركا، وبين الجدوى الاقتصادية لتقديم منتج ينافس في سوق شديدة التقلب، وهذا تحدٍ لم نرَ أحدًا ينجح فيه حتى الآن".