الجرس قرع والأسئلة لم تصل.. كيف تحولت اختبارات الفصل الثالث "المركزية" إلى أزمة؟

في مشهد غير معتاد أربك سير العملية التعليمية، فوجئت مدارس في مختلف مناطق المملكة بعدم وصول أسئلة الاختبارات المركزية في موعدها، مما تسبب في اضطراب واسع النطاق داخل الميدان التربوي، وذلك بالتزامن مع انطلاق اختبارات الفصل الدراسي الثالث.
وقد انعكست حالة الإرباك على إدارات المدارس والمعلمين والطلاب على حد سواء، لتطرح تساؤلات ملحّة حول فعالية آليات التنفيذ المعتمدة من وزارة التعليم.
إقرأ ايضاً:الفراج يُحذر الهلال من مفاجآت باتشوكا ويكشف سر التأهلالفحوصات الطبية تحدد مصير مدافع الاتحاد للمشاركة مع الأخضر
وكان من المقرر أن تُدار اختبارات هذا الفصل بشكل مركزي من قبل الوزارة، عبر منصات إلكترونية تهدف إلى توحيد الجهود وضبط جودة الاختبارات، غير أن الواقع كشف عن فجوة واضحة بين التخطيط والتنفيذ، خاصة في المناطق النائية والقرى البعيدة، التي ما زالت تعاني من ضعف البنية التحتية التقنية، وضعف تغطية الإنترنت، ما جعل تنفيذ الاختبارات أمراً شاقًا بل شبه مستحيل.
وقد عبر عدد من مديري المدارس عن استيائهم مما حدث، معتبرين أن الاعتماد الكلي على المنصات الرقمية دون وضع بدائل واقعية، أدى إلى شلل جزئي في اليوم الأول من الاختبارات، كما كشف أحدهم بقوله: "كيف تصلنا تعليمات إلكترونية في مدرسة الاتصال فيها يعتمد على بيانات متقطعة؟"، في إشارة إلى الهوة الرقمية التي لم تُؤخذ بعين الاعتبار.
ومن جانب آخر، أبدى أولياء الأمور قلقهم الشديد من تأخر الأسئلة واضطراب الجدول الزمني، حيث أوضحت ولية أمر من تبوك عبر منصة (X): "ليس كل مدرسة تمتلك طابعة، ولا كل منطقة فيها شبكة"، وهو ما يسلط الضوء على التفاوت الواضح في الإمكانات بين المدارس، مما يؤثر سلبًا على مبدأ العدالة في التقييم.
واجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجة من التعليقات الغاضبة التي انتقدت مركزية القرار، واعتبرت أن من صاغه لا يدرك جغرافية المملكة ولا التحديات الفعلية التي تواجه البيئة التعليمية، فقال أحد المغردين ساخرًا: "أرسلوا الأسئلة على البريد، يمكن ساعي المدرسة يوصلها أسرع من المنصة!"، فيما كتب آخر: "إذا ما جاك الاختبار، اعتبر نفسك ناجح في الجغرافيا... لأنك عرفت وين الخطأ!".
هذه التعليقات الساخرة، وإن بدت هزلية في ظاهرها، تعكس غضباً عميقاً من الطريقة التي تم بها تنفيذ الاختبارات، كما تعكس انعدام التنسيق المسبق مع المدارس وغياب التواصل الفعّال بين المركز والميدان، وهي عناصر كان يمكن أن تُجنب الوزارة هذه الانتقادات الحادة.
واللافت أن حساب وزارة التعليم الرسمي لم يصدر أي توضيح بشأن ما حدث، ما زاد من حدة الانتقادات، وفتح باب التكهنات حول مدى جاهزية الوزارة لتنفيذ مثل هذه الخطط المركزية دون أدوات داعمة، خاصة في ظل التباين الشديد بين المناطق من حيث البنية التقنية والكوادر المؤهلة.
ورغم أن الهدف من مركزية الاختبارات كان توحيد المعايير وضمان العدالة في التقييم، إلا أن التجربة الحالية أثبتت أن هذه المركزية غير قابلة للتطبيق الشامل دون مراعاة الواقع، فليس كل قرار رقمي يمكن أن يُنفّذ بكفاءة على أرض الواقع، ولا كل نموذج موحد يعكس عدالة تربوية حقيقية.
وبحسب المعلومات الرسمية، فإن إدارات التعليم في مختلف المناطق كانت قد فعّلت اليوم الدراسي تزامناً مع فترة تطبيق الاختبارات، التي بدأت الأحد 19 ذي الحجة 1446هـ، ضمن خطة تهدف إلى استثمار الوقت الدراسي حتى آخر يوم، وتعزيز الانضباط المدرسي، ورفع كفاءة نواتج التعلم.
لكن الأحداث التي شهدها هذا اليوم طرحت تساؤلات كبيرة حول مدى تحقيق هذه الأهداف، خاصة مع ما صاحب الاختبارات من ارتباك وفوضى، مما قد يُضعف من نواتج التعلم بدلًا من تعزيزها، إذا لم يتم احتواء الموقف بسرعة.
ويؤكد المشهد الحالي أن الرهان على التقنية وحدها دون خطة طوارئ بديلة قد يحمل مخاطرة عالية، خصوصًا في بيئة تعليمية مترامية الأطراف، ومتباينة الإمكانيات، وهو أمر يستدعي من الجهات المختصة مراجعة شاملة لكيفية إدارة الاختبارات مستقبلاً.
ففي الوقت الذي تتجه فيه أنظمة التعليم عالميًا نحو الرقمنة، فإن النجاح لا يتحقق إلا بتوافر بنية تحتية صلبة، وخطط تنفيذ دقيقة، ودعم ميداني حقيقي، وهو ما افتقرت إليه تجربة اختبارات هذا الفصل، على الأقل في يومها الأول.
كما أن غياب التصريح الرسمي أو توضيح الأسباب من وزارة التعليم يزيد من ضعف الثقة، ويمنح الفرصة لانتشار الشائعات، ويترك الميدان في حالة ترقب وارتباك، في وقت يجب فيه أن تسود الطمأنينة والاستقرار لضمان سير العملية التعليمية بسلاسة.
وتطالب الأوساط التعليمية اليوم بإعادة النظر في آلية إرسال الأسئلة، وتوفير بدائل غير رقمية للمناطق غير المخدومة، إضافة إلى بناء خطة تواصل أكثر مرونة بين الوزارة والمدارس، تأخذ في الاعتبار التنوع الجغرافي والتفاوت في الإمكانيات.
فبينما تسعى الوزارة إلى تحديث أدواتها وتحقيق الانضباط وجودة الأداء، إلا أن التنفيذ على الأرض ما زال بحاجة إلى تطوير جذري، يجمع بين الحداثة والواقعية، ويضع الميدان في قلب القرار لا على هامشه.
وتبقى هذه الحادثة إنذارًا مبكرًا بأن التحول الرقمي لا يمكن أن يتم بقرارات فوقية فقط، بل يحتاج إلى بناء قاعدي متين، وتدريب وتأهيل، وتدرّج مدروس، يضمن ألا يتحوّل التطوير إلى عبء على المستفيدين بدلًا من أن يكون أداة تسهيل وتحسين.