لم يعد مسموحاً في كل مكان.. "الغطاء النباتي" يفرض قواعد جديدة على أصحاب المواشي في هذه المناطق

بدأت المملكة أولى خطواتها العملية نحو تنظيم الرعي وتحقيق التوازن البيئي، وذلك من خلال مبادرة أطلقها المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر لإصدار تصاريح الرعي في عدد من الفياض والمتنزهات الوطنية.
المبادرة الجديدة تشمل مواقع محددة تم اختيارها بعناية، أبرزها متنزه جبلة بمحافظة الدوادمي، وروضة السبلة بمحافظة الزلفي، إضافة إلى متنزه معيلة 1 في منطقة الحدود الشمالية، وهي مواقع تتمتع بطبيعة رعوية غنية قابلة للتجدد تحت إشراف مدروس.
إقرأ ايضاً:الأهلي في مأزق.. "كبار روشن" يتسابقون لضم مجرشيبخطوات محسوبة.. الهلال يتحرك رسميًا للتعاقد مع ميسي في أمريكا
وأكد المركز الوطني أن هذه التصاريح لن تُمنح بشكل عشوائي، بل تخضع لسلسلة من الشروط الصارمة، تبدأ بتعبئة نموذج طلب رسمي، وتسجيل الماشية في منصة “نما”، مرورًا بالحصول على شهادة صحية بيطرية تثبت خلو القطعان من الأمراض.
وتُحدَّد مدة التصريح الممنوح بناءً على عدة اعتبارات، في مقدمتها حالة الغطاء النباتي وقدرته على التجدد، إلى جانب عدد الماشية المصرّح بها وموقع الرعي، مع إعطاء الأولوية للسكان المحليين وأصحاب القطعان الصغيرة.
وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية وطنية متكاملة تهدف إلى تنظيم الرعي التقليدي بطريقة حديثة وفعالة، تحفظ حقوق الرعاة وتحمي في الوقت ذاته النظم البيئية الهشة من التدهور المستمر.
ويؤكد القائمون على المشروع أن تنظيم الرعي ليس إجراءً إدارياً فحسب، بل ركيزة أساسية في مسار المملكة نحو استعادة التنوع النباتي وتحقيق التوازن البيئي على المدى البعيد.
كما أشار المركز إلى أن هذه الإجراءات ستحد من الرعي الجائر، الذي يُعد أحد أبرز أسباب التصحر وتدهور الأراضي، ما يُضعف بدوره قدرة البيئة على مقاومة التغيرات المناخية أو استيعاب موجات الجفاف.
ويؤدي تنظيم الرعي أيضًا إلى تخفيف الضغوط البشرية عن المساحات النباتية، ومنحها فرصة للتجدد الطبيعي، مما يعزز الغطاء النباتي ويُعيد للحياة البرية استقرارها وتوازنها.
ويُعد إصدار التصاريح جزءًا من منظومة متكاملة يعمل عليها المركز منذ سنوات، تشمل مكافحة الاحتطاب الجائر، ورصد التعديات، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة عبر حملات تشجير منظمة.
كما أن مراقبة الغابات والمتنزهات الوطنية باتت تتم بوسائل تكنولوجية حديثة، تسمح للجهات المختصة برصد التغيرات البيئية بشكل مباشر، وتحليل بياناتها لاتخاذ قرارات سريعة ودقيقة.
ويتضمن عمل المركز أيضًا إنشاء وحدات للرصد البيئي في المواقع الحيوية، وتدريب فرق ميدانية على متابعة التغيرات النباتية ورفع تقارير دورية حول حالة التربة والغلاف النباتي.
ويؤكد خبراء في البيئة أن الخطوة الحالية ستكون محورية في تحقيق أهداف “مبادرة السعودية الخضراء”، خاصة أنها تعتمد على إشراك السكان المحليين في جهود الحفاظ على الطبيعة، ما يعزز مفهوم المسؤولية الجماعية.
ولا يقتصر أثر هذه المبادرة على الجوانب البيئية فقط، بل يمتد ليشمل البُعد الاقتصادي، من خلال دعم الأسر الرعوية وتوفير بيئة مستدامة للنشاط الحيواني التقليدي، الذي يشكل موردًا معيشياً للعديد من المجتمعات.
كما تسهم هذه التصاريح في تقليل الصراعات على الموارد الطبيعية، وتعزز مفاهيم الاستخدام العادل، مع تشجيع الرعاة على الالتزام بالقوانين البيئية والأنظمة الجديدة التي وُضعت لحمايتهم.
وتأتي هذه التطورات في وقت تزداد فيه الضغوط البيئية على المملكة، ما يجعل خطوات كهذه ضرورية لضمان بقاء الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، دون التفريط بحقوق الرعاة أو تجاهل حاجاتهم.
ولعل النجاح في هذه التجربة سيكون دافعًا لتعميمها على نطاق أوسع، خاصة في مناطق تشهد تدهورًا بيئيًا واضحًا بسبب سنوات طويلة من الاستخدام العشوائي وغير المنظم للموارد الرعوية.
ويعكس هذا التحول في إدارة المراعي تحولًا أشمل في رؤية المملكة للتنمية المستدامة، وهو ما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030 الطموحة، التي تضع البيئة في قلب خطط التنمية والازدهار.