موجة الحر الشديدة لها "فائدة" غير متوقعة.. خبير يكشف كيف تسرّع نضج هذا المحصول الثمين

أكد الباحث في الطقس والمناخ عبدالعزيز الحصيني أن الأسواق السعودية بدأت تستقبل أولى بشائر موسم الرطب، مشيرًا إلى ظهور "الخراف"، وهي البدايات المبكرة لنضج التمور، التي تُعد مرحلة تمهيدية للرطب الكامل، وأوضح أن هذه المرحلة تُبشّر بموسم وفير، يعكس ارتباط الإنسان السعودي بهذه الثمرة منذ القدم.
وبيّن الحصيني أن موجات الحر الشديدة التي تشهدها مناطق المملكة حاليًا تُعد محفزًا أساسيًا في تسريع وتيرة نضج الرطب، إذ تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى اكتمال التحول من البلح إلى الرطب خلال فترة زمنية أقصر، وأضاف أن حرارة الجو تُسرّع العمليات الكيميائية التي تمر بها الثمرة، ما يسهم في نضجها بشكل أسرع من المعتاد.
إقرأ ايضاً:النيابة العامة تطلق تحذيراً حاسماً.. "حماية بياناتك ليست خياراً".. وهذا ما ينتظر منتهكي الخصوصيةوداعاً للبيع "بالنظر".. قرار جديد سيغير طريقة شراء وبيع المواشي في السعودية إلى الأبد
وأشار إلى أن منطقة الأحساء ستكون أولى المناطق التي تغمر الأسواق بكميات وفيرة من الرطب، وذلك مع نهاية الشهر الجاري، موضحًا أن أصنافًا متعددة ستُطرح تباعًا، وفي مقدمتها "الخلاص" و"الشيشي"، وهما من أشهر الأنواع التي تنتجها الأحساء سنويًا، وتُعد هذه الأصناف مرغوبة بشدة لمذاقها الفريد وقيمتها الغذائية العالية.
وبعد الأحساء، يُتوقع أن تظهر الرطب من منطقة المدينة المنورة بعد حوالي أسبوع، حيث تُعرف المنطقة بإنتاج أصناف شهيرة مثل "العجوة" و"الصفاوي"، اللتين تحظيان بإقبال واسع من المستهلكين المحليين والزوار، وتُعتبر المدينة من أهم مراكز إنتاج التمور في المملكة، وتحظى بمكانة دينية واقتصادية خاصة في هذا السياق.
أما منطقة الرياض والمناطق الوسطى، فستبدأ مرحلة جني الرطب في منتصف الشهر المقبل، حسب ما أوضحه الحصيني، مبينًا أن التنوع الجغرافي داخل هذه المناطق يؤثر على توقيت النضج، وتُعد هذه المرحلة من الموسم ذات أهمية اقتصادية كبيرة للمزارعين، حيث تبدأ الحصادات المحلية بالعمل على قدم وساق.
وتصل بواكير الرطب إلى مناطق الشمال مع نهاية الشهر المقبل، ويُتوقع أن تكون هذه المناطق من آخر المناطق التي تستقبل الموسم، نظرًا لانخفاض درجات الحرارة مقارنة بالمناطق الأخرى، ويُعزى هذا التأخير إلى الخصائص المناخية التي تحد من نضج الثمار مبكرًا.
وأكد الحصيني أن دورة ظهور الرطب السنوية تحمل دلالات اجتماعية وثقافية إلى جانب أهميتها الزراعية، إذ تُعد مؤشرًا زمنيًا على تقلبات المناخ، وتُسهم في تعزيز الوعي بأهمية الزراعة المحلية، كما تُعد هذه الدورة موسمًا للتجمعات الأسرية والفعاليات الشعبية التي تدور حول تناول الرطب وتبادل أنواعه.
وتختلف أصناف الرطب في المملكة بحسب المواقع الجغرافية وظروف المناخ المحلي، وهو ما يُكسب السوق السعودي تنوعًا مميزًا يجذب المستهلكين من مختلف المناطق، فبينما يفضّل البعض رطب المدينة لنعومته وحلاوته، يميل آخرون إلى رطب الأحساء لما يتمتع به من قوام كثيف ونكهة متفردة.
ويحظى الرطب بمكانة خاصة في الثقافة الغذائية والصحية في المملكة، إذ يُعد من الأغذية المتكاملة التي يعتمد عليها الكثير من المواطنين في نظامهم الغذائي، خصوصًا في فصل الصيف، وتشير دراسات غذائية إلى أن الرطب يحتوي على عناصر مهمة مثل البوتاسيوم والحديد والألياف، ما يجعله مفيدًا لمرضى فقر الدم والجهاز الهضمي.
كما يُعد الرطب منتجًا اقتصاديًا حيويًا، إذ يسهم في تنشيط الحركة التجارية في الأسواق المحلية خلال موسمه، ويُدر دخلًا جيدًا للمزارعين، خاصة في المناطق الزراعية الكبرى مثل القصيم والمدينة والأحساء، ويشهد موسم الرطب عادة إقبالًا واسعًا من المستهلكين، ما يؤدي إلى انتعاش مبيعات الأسواق والمزارع.
ولا يقتصر تداول الرطب على السوق المحلي فحسب، بل يتم تصدير كميات كبيرة منه إلى الخارج، لاسيما إلى الدول الخليجية وبعض الدول الآسيوية، حيث يحظى بسمعة ممتازة، ويُعد هذا التصدير من المؤشرات على الجودة العالية للتمور السعودية، والتي تشهد تطورًا ملحوظًا في آليات الزراعة والحصاد والتخزين.
ومن المتوقع أن تستمر درجات الحرارة المرتفعة خلال الأسابيع المقبلة، ما يُعزز من سرعة نضج الرطب في معظم المناطق، وتُشير التوقعات المناخية إلى استمرار الأجواء الحارة التي تُعد بيئة مثالية لتسريع نمو التمور وتحويلها إلى رطب في وقت قياسي.
ويُمثل هذا الموسم فرصة للمستهلكين لتذوق أنواع جديدة من الرطب، وسط تنافس كبير بين المزارعين في تقديم أجود الأنواع، كما يُعد الموسم مناسبة لتبادل الهدايا وتوثيق الروابط الاجتماعية، في تقليد يعود إلى مئات السنين، حيث يُهدي الناس بعضهم بعضًا صناديق الرطب الفاخر.
وفي ظل هذا الحراك الزراعي والاقتصادي، تتطلع الأسواق والمزارع إلى موسم استثنائي هذا العام، مدعومًا بالعوامل المناخية الملائمة، والطلب المتزايد على الرطب المحلي، ويُنتظر أن تُنظّم فعاليات احتفالية في عدد من المناطق احتفاءً بقدوم الموسم، ضمن جهود ترسيخ الهوية الزراعية الوطنية وتعزيز الاكتفاء الغذائي المحلي.