هل هذه مجرد البداية؟ خبراء يحذرون من موجة تقلبات أوسع في أسعار الطاقة العالمية

شهدت الأسواق الأوروبية ارتفاعًا حادًا في أسعار وقود الطائرات والديزل، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ ما يزيد على خمسة عشر شهرًا، وذلك في ظل أجواء من القلق والترقب يعيشها المستثمرون والجهات الاقتصادية على خلفية تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، وتأثيراتها المحتملة على إمدادات الطاقة من منطقة الشرق الأوسط.
وأشارت بيانات تسعير حديثة صادرة عن وكالة أرغوس إلى أن أسعار وقود الطائرات قفزت بنسبة 45% منذ اندلاع الأعمال العسكرية قبل نحو أسبوعين، في حين ارتفعت هوامش سعر الديزل مقابل النفط الخام بنحو 60%، وهو ما يعكس موجة قلق حادة من إمكانية انقطاع أو تعطيل تدفقات الوقود من الخليج العربي، الذي يعد شريانًا حيويًا في معادلة الطاقة العالمية.
إقرأ ايضاً:في هذا الموعد .. جامعة المجمعة تعلن فتح بوابة التحويل الداخلي والخارجي للطلاببرغم الغيابات.. الهلال يواجهة سالزبورغ بتشكيلة دفاعية قوية "إنزاغي يحسم القرار"
وتأتي هذه التطورات في توقيت بالغ الحساسية، حيث تقترب أوروبا من ذروة موسم السفر الصيفي، وهو ما يرفع الطلب بشكل موسمي على وقود الطائرات ويزيد من الضغط على سلاسل التوريد، ما يجعل أي تغيرات مفاجئة في الأسعار أو الإمدادات أكثر تأثيرًا وأشد وقعًا على شركات الطيران والنقل والخدمات اللوجستية.
ويعتمد جزء كبير من السوق الأوروبي على واردات الوقود من منطقة الخليج، حيث تمثل دول مثل السعودية والإمارات والكويت مزودًا رئيسيًا بالمنتجات البترولية المكررة، بما في ذلك وقود الطائرات والديزل، وهو ما يجعل استقرار الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة عنصرًا أساسيًا في استقرار السوق الأوروبية.
ولا تزال الأوساط الاقتصادية تتابع بحذر بالغ تطورات المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل، والتي اندلعت شرارتها مؤخرًا لتشكل خطرًا مباشرًا على الملاحة البحرية في الخليج ومضيق هرمز، وهو أحد أكثر الممرات المائية أهمية في نقل النفط والوقود إلى العالم، ويُقدر أنه يمر عبره نحو 20% من إجمالي النفط العالمي.
وفي هذا السياق، أشار تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز إلى أن المستثمرين يشعرون بحالة من التوتر العميق نتيجة استمرار التوترات في الشرق الأوسط، التي قد تقود إلى تعطيل سلاسل الإمداد وتعميق أزمات الطاقة المتكررة، لا سيما في ظل غياب بوادر التهدئة أو الانفراج في الأفق القريب.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار التصعيد إلى تداعيات أوسع، ليس فقط على قطاع الوقود بل على الاقتصاد العالمي بأسره، خصوصًا أن الأسواق ما زالت تتعافى من آثار الأزمات السابقة المرتبطة بجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، والتي أضعفت استقرار سلاسل الإمداد وأثرت على أسعار الطاقة لسنوات.
ومن المتوقع أن يواجه قطاع الطيران في أوروبا تحديات مالية متزايدة، نتيجة هذا الارتفاع السريع في أسعار الوقود، إذ يمثل الوقود أحد أكبر عناصر التكلفة التشغيلية لدى شركات الطيران، مما قد يدفع العديد منها إلى رفع أسعار التذاكر أو تقليص عدد الرحلات في محاولة للتعامل مع الضغط المتصاعد.
كما أن تأثير هذا الارتفاع لن يتوقف عند الطيران فقط، بل سيمتد إلى قطاع النقل البري كذلك، في ظل الزيادة الحادة في أسعار الديزل، ما يعني أن تكلفة نقل البضائع والمنتجات في أنحاء أوروبا قد تشهد قفزة جديدة، وبالتالي فإن الأسعار النهائية للمستهلك مرشحة للارتفاع، مما يفاقم أعباء التضخم.
وفي الوقت ذاته، تبدو الحكومات الأوروبية في موقف صعب، حيث يتطلب الوضع الراهن قرارات عاجلة لإدارة الأزمة، سواء من خلال تعزيز المخزونات الاستراتيجية أو تنويع مصادر التوريد، إلى جانب مراقبة الأسواق لمنع المضاربات، وسط تحذيرات من إمكانية تكرار مشاهد الاضطراب التي شهدتها الأسواق قبل عامين.
ويرى خبراء أن استمرار هذه الضغوط قد يدفع بعض الدول إلى إعادة التفكير في استراتيجيات الطاقة الخاصة بها، عبر تسريع وتيرة الانتقال إلى مصادر بديلة أو تعزيز الاستثمارات في الطاقة النظيفة، رغم أن تلك الحلول لا يمكن أن تُحدث فرقًا فوريًا في المشهد الحالي الذي تحكمه المعادلات السياسية.
ومع اقتراب موعد الإجازات الصيفية، يشعر المواطن الأوروبي العادي بقلق متزايد من تأثير هذه التطورات على خطط السفر وتكلفته، حيث بدأت بعض شركات الطيران في مراجعة سياساتها التسعيرية، وأعلنت أخرى عن احتمالية تأخير أو تقليص في بعض الوجهات غير الأساسية.
وتشير المؤشرات الحالية إلى أن سوق الطاقة العالمية تدخل مرحلة جديدة من عدم اليقين، حيث باتت القرارات السياسية والعسكرية أكثر تأثيرًا من العوامل الاقتصادية البحتة، ما يجعل من الصعب التنبؤ باتجاهات الأسعار خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا ما اتسعت رقعة النزاع أو تدخلت أطراف دولية جديدة فيه.
وتبقى الأنظار موجهة نحو الممرات البحرية وخطوط التوريد القادمة من الخليج، حيث يعكف المحللون على مراقبة أي تحرك في تلك المناطق، لما له من انعكاسات مباشرة على السوق العالمية، كما أن شركات التأمين العالمية بدأت في مراجعة تقييماتها للمخاطر البحرية، تحسبًا لأي تعطيل محتمل في النقل التجاري.
وتزداد المطالبات الأوروبية بتفعيل خطط الطوارئ وتعزيز آليات التنسيق مع الشركاء الدوليين لضمان استمرارية تدفق الوقود، دون الدخول في أزمة أوسع قد تؤثر على الأمن الطاقي والغذائي في آن معًا، خاصة مع احتمال امتداد الأزمة إلى قطاعات صناعية وزراعية تعتمد هي الأخرى على الوقود.
وفي ظل غياب أي مؤشرات على تهدئة قريبة بين الطرفين المتنازعين، يبقى الوضع مرشحًا لمزيد من التوتر، ما يجعل تحركات الأسواق في حالة ترقب مستمر، وسط مخاوف من أن يكون الارتفاع الحالي مجرد بداية لموجة أوسع من التقلبات في أسعار الطاقة العالمية خلال الشهور القادمة.