83% منهم فشلوا في تذكر ما كتبوه.. ما هو "الأثر الصادم" الذي يتركه ChatGPT على ذاكرتك؟

ذكاء اصطناعي
كتب بواسطة: ليلى سعد | نشر في  twitter

في دراسة حديثة أثارت اهتمام الأوساط الأكاديمية والتكنولوجية، كشف معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عن نتائج مقلقة تتعلق بتأثير استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في الكتابة، مثل ChatGPT، على نشاط الدماغ والوظائف المعرفية، الدراسة.

التي استمرت أربعة أشهر، توصلت إلى أن الاعتماد المفرط على هذه الأدوات يقلل بشكل ملحوظ من التفاعل العقلي العميق المطلوب لفهم المعلومات وتنظيمها.


إقرأ ايضاً:حل لمشكلتين في 5 دقائق.. كيف نجح أطباء جدة في تصحيح النظر "للقريب والبعيد" في عملية واحدة؟قبل قمة المونديال.. مدرب سالزبورج يستفز الهلال بتصريح جريء

تمت الدراسة داخل مختبر Media Lab الشهير في MIT، وشارك فيها ثلاث مجموعات، كل منها استخدم وسائل مختلفة لأداء مهام كتابية: الذكاء الاصطناعي، محركات البحث، أو المهارات الذاتية، ورغم أن مستخدمي ChatGPT أتموا مهامهم بسرعة أكبر بنسبة 60%، إلا أن هذه السرعة جاءت على حساب الجهد العقلي، حيث أظهروا انخفاضًا بنسبة 32% في مؤشر يُعرف بـ(Germane Cognitive Load)، الذي يقيس مدى قدرة الدماغ على معالجة وتخزين المعلومات بفعالية.

الأمر لم يتوقف عند انخفاض الجهد العقلي فقط، فقد لاحظ الباحثون أن المقالات التي أنتجتها مجموعة الذكاء الاصطناعي كانت متشابهة، وافتقرت إلى الأصالة، بل وعبّر العديد من المشاركين عن شعور ضعيف بالانتماء لما كتبوه، مما يعكس فقداناً لما يُعرف بالإحساس بالملكية الفكرية تجاه العمل.

وبمرور الوقت، لوحظ تدهور إضافي في أداء هؤلاء المستخدمين، إذ بدأوا يكتفون بنسخ النصوص المولدة دون مراجعة أو إدخال تعديلات، ومع التكرار، أصبح الاعتماد شبه كلي على الأداة، حتى أن بعض التأثيرات استمرت بعد التوقف عن استخدامها، في دلالة مثيرة على إمكانية حدوث تغييرات دائمة في نمط عمل الدماغ.

مما يضاعف القلق هو أن هذه التأثيرات السلبية قد تكون أكثر حدة لدى فئة الشباب، الذين لا تزال أدمغتهم في طور التكوين والتطور، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للنقاش حول مدى مناسبة إدخال أدوات الذكاء الاصطناعي في البيئات التعليمية دون قيود أو توجيه واضح.

استخدم الباحثون تقنيات EEG (تخطيط كهربائية الدماغ) لقياس النشاط العصبي خلال المهام الكتابية، وقد كشفت البيانات أن من كتبوا بالاعتماد على قدراتهم الذاتية سجلوا 79 اتصالًا عصبيًا في نطاق موجات ألفا، المرتبطة بالتركيز والإبداع، مقارنة بـ42 اتصالًا فقط لمستخدمي ChatGPT، أما من استخدموا محركات البحث فكان أداؤهم متوسطًا.

الفجوة كانت أكبر في موجات ثيتا (Theta)، المسؤولة عن الذاكرة والتحكم التنفيذي، إذ سجلت مجموعة المهارات الذاتية 65 اتصالًا عصبيًا، مقابل 29 فقط لمستخدمي الذكاء الاصطناعي، مما يشير بوضوح إلى وجود علاقة عكسية بين استخدام هذه الأدوات وانخراط الدماغ في معالجة المعلومات.

أكثر ما أثار دهشة الباحثين هو نتائج اختبارات التذكر، فقد فشل 83% من مستخدمي ChatGPT في تذكّر مقتطفات من مقالات كتبوها قبل دقائق فقط، في حين تمكن 88،9% ممن كتبوا دون مساعدات من تذكر المحتوى، هذه النتائج تؤكد أن الأداة، رغم ما توفره من راحة، قد تُضعف الذاكرة طويلة الأمد.

وطُلب من المشاركين لاحقًا إعادة كتابة المقالات دون استخدام الذكاء الاصطناعي، فتبين أن غالبية مستخدمي الأداة لم يتمكنوا من استرجاع أفكارهم، هنا تتجلى الإشارة الواضحة إلى أن الكتابة الفعّالة لا تنبع فقط من القدرة على الطباعة، بل من القدرة على التفكير والتنظيم والتفاعل المعرفي.

ولم تغفل الدراسة الإشارة إلى أبعاد أوسع لهذا التأثير، خاصة في السياقات التعليمية، إذ أن التكرار والاستخدام الطويل لأدوات الكتابة الذكية قد يسهم في تشكيل أنماط معرفية جديدة تؤثر سلباً على التفكير النقدي والابتكار لدى الأجيال الشابة.

الباحثة الرئيسية في الدراسة، ناتاليا كوسمينا، حذرت من هذا الانجراف، مشيرة إلى أن ما يبدو كأداة لتوفير الوقت، قد يؤدي في النهاية إلى نتائج معاكسة تمامًا من حيث النمو العقلي والقدرة على التعبير المستقل، كما أشارت إلى ضرورة وضع استراتيجيات توعوية ووقائية في البيئات التعليمية.

وقد أشارت دراسات أخرى إلى أن الإفراط في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي قد يزيد الشعور بالعزلة ويقلل من الإبداع الفردي، حتى وإن ساعد في رفع معدلات الإنتاجية، وهذه المفارقة تلخص الصراع الجديد بين الكفاءة والإنسانية في العصر الرقمي.

إن ما توصلت إليه هذه الدراسة يُعد إنذارًا مبكرًا حول أثر الاعتماد المفرط على أدوات الذكاء الاصطناعي في الجوانب التي تُشكل هوية الإنسان المعرفية، فالمستقبل لا يتوقف عند حدود السرعة والدقة، بل يتعلق بقدرتنا على الاستمرار في التفكير بعمق والتميّز بإبداع لا يمكن تقليده.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook