هل حساباتك من بينها؟ "كارثة معلوماتية" غير مسبوقة تكشف عن تسريب بيانات الملايين.. وهكذا تتحقق

وسط مشهد إلكتروني يعج بالتهديدات المتسارعة، تفجرت مؤخراً فضيحة رقمية من العيار الثقيل، كشفت عنها منصة "Cybernews"حيث تم تسريب 16 مليار سجل بيانات لتسجيل الدخول.
موزعة على أكثر من 30 قاعدة بيانات مختلفة، واللافت أن هذه البيانات ليست مستهلكة أو معاد استخدامها، بل حديثة وحديثة جداً، جُمعت على مدار الشهور الماضية بوسائل خبيثة متقدمة.
إقرأ ايضاً:من سيحسم بطاقة التأهل: فرصة أخيرة للأهلي أمام بورتو وانتظار خسارة رفاق ميسيحل لمشكلتين في 5 دقائق.. كيف نجح أطباء جدة في تصحيح النظر "للقريب والبعيد" في عملية واحدة؟
هذا الرقم الضخم يضعنا أمام كارثة معلوماتية لا سابقة لها، تفوق في حجمها عدد سكان الأرض مرتين، ما يُثير أسئلة ملحة حول قدرة الأنظمة التقليدية على مجاراة التصاعد الهائل في الهجمات الإلكترونية، ورغم أن بعض هذه البيانات قد تكون مكررة، إلا أن خطرها لا يقل، خاصة في ظل عادة إعادة استخدام كلمات المرور نفسها عبر حسابات متعددة.
يعود السبب الرئيسي لهذا التسريب غير المسبوق إلى أدوات سرقة المعلومات، وهي برمجيات خبيثة باتت أكثر رواجاً وخطورة، تقوم بتصيد بيانات تسجيل الدخول من أجهزة المستخدمين، ثم تُنقل هذه البيانات إلى ما يُعرف بـ "السجلات" التي تباع لاحقاً عبر الإنترنت المظلم لأغراض احتيالية وابتزازية لا تُحصى.
الباحثة في كاسبرسكي، ألكسندرا فيدوسيموفا، وصفت التسريب بأنه تجميع واسع لعمليات اختراق مختلفة وليس حادثاً فردياً، وأوضحت أن مصدر الخطر لا يكمن فقط في الكم الهائل للبيانات، بل في طبيعة الأدوات المستخدمة، والتي باتت تُفعّل يوميًا حول العالم، مستهدفة كل ما له صلة بهوية رقمية أو حساب إلكتروني.
وما يزيد من تعقيد الصورة هو أن هذا التجميع لم يتم الإبلاغ عنه سابقًا، ما يعني أن مستخدمين كثر قد لا يدركون حتى اللحظة أن بياناتهم أصبحت عرضة للاستغلال، وعلى الرغم من احتمال وجود سجلات مكررة، إلا أن ذلك لا يُقلل من أهمية هذه الواقعة، بل يكشف مدى استسهال المستخدمين لتكرار بياناتهم الشخصية دون حماية كافية.
من جانبها، أشارت كاسبرسكي إلى نمو مقلق في هجمات سرقة كلمات المرور بنسبة 21% خلال عام واحد فقط، بين 2023 و2024، هذه النسبة تعكس تصاعدًا واضحًا في اعتماد مجرمي الإنترنت على أدوات قرصنة دقيقة وفعالة، موجهة لاستغلال الحسابات الفردية والمؤسسية على حد سواء.
وفي تعليق من دميتري جالوف، رئيس فريق البحث في كاسبرسكي، أكد أن ما نشهده ليس تسريبًا عشوائيًا بل هو انعكاس مباشر لما أسماه بـ"اقتصاد الجرائم الإلكترونية"، الذي يقوم على صناعة وتجميع وتسويق بيانات الاعتماد كسلعة تُباع وتُشترى وتُستخدم في تنفيذ هجمات متسلسلة.
الخطير في الأمر، حسب جالوف، أن بعض هذه البيانات كانت متاحة لفترة عبر قنوات مفتوحة وغير مشفّرة، ما يعني أن الوصول إليها لم يكن حكرًا على قراصنة محترفين فقط، بل كان ممكنًا لأي مستخدم صادف وجودها أو علم بها من أحد المنتديات أو المجموعات السرية.
في ظل هذه الظروف، تبدو الحاجة ملحة لما تسميه كاسبرسكي "النظافة الرقمية"، وهو مفهوم يقوم على تحديث ومراجعة إجراءات الأمان بشكل مستمر، تبدأ هذه النظافة من أبسط الخطوات، مثل تغيير كلمات المرور بشكل دوري، وعدم استخدام كلمة مرور واحدة لأكثر من حساب.
كما تُشدد الشركة على ضرورة تفعيل المصادقة الثنائية في كل منصة تدعمها، لتكوين طبقة أمان إضافية، تمنع القراصنة من الدخول حتى لو امتلكوا بيانات الدخول، هذا إلى جانب أهمية استخدام تطبيقات موثوقة لإدارة كلمات المرور، لتخزينها بعيدًا عن متناول التطبيقات الخبيثة.
ولم تغفل كاسبرسكي الإشارة إلى التهديدات الاجتماعية المرتبطة بالهندسة الاجتماعية، إذ بات القراصنة أكثر ذكاءً في استغلال البيانات المسروقة لإقناع الضحايا بالكشف عن معلومات إضافية أو تنفيذ تعليمات خادعة عبر البريد أو الرسائل.
اللافت أن العديد من الهجمات اليوم لا تعتمد فقط على التكنولوجيا، بل تمزجها بدهاء مع أساليب التواصل البشري المضلل، مما يجعل اليقظة والانتباه مطلبًا أساسيًا، وليس خيارًا، والنتيجة أن الحماية لم تعد مسؤولية الأنظمة وحدها، بل باتت سلوكًا يوميًا على الأفراد تبنيه.
وفي مواجهة هذا الواقع المعقد، لم تعد نصائح الحماية الرقمية ترفًا أو إجراءً احترازيًا، بل تحولت إلى ضرورة حتمية، لا سيما في ظل تسارع النمو الرقمي وتوسع الاعتماد على المنصات الإلكترونية في كل مناحي الحياة، من البريد الإلكتروني وحتى الخدمات البنكية والتجارية.
إن ما حدث ليس مجرد حادث عرضي، بل إشارة إنذار شديدة اللهجة إلى كل من لا يزال يتهاون بأمنه الرقمي، فالحرب السيبرانية الحديثة لا تدور في ساحات المعارك، بل في خوادم الحوسبة وقواعد البيانات وشبكات الظل، والضحايا في الغالب لا يعرفون أنهم خسروا شيئًا إلا بعد فوات الأوان.
يبقى السؤال: كم من البيانات الأخرى تنتظر دورها في التسريب؟ وكم من الحسابات ستُختَرق قبل أن يدرك المستخدم العادي أن حمايته تبدأ منه؟ في عالم لا يرحم، الإجابة تبدأ بكلمة مرور مختلفة، وتنتهي بوعي رقمي حقيقي.