فرص استثمارية واعدة.. السعودية تطرح حزمة مشاريع جديدة في باريس.. فما هي أبرزها؟

في ظل المتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم في موازين النفوذ الاقتصادي، تواصل المملكة العربية السعودية ترسيخ مكانتها كقوة صاعدة في مجالات تتجاوز حدود النفط، حيث أثبتت حضورها الفاعل في معرض باريس الجوي الدولي بنسخته الـ55، باعتبارها شريكًا عالميًا في التقنيات المتقدمة وقطاعات الطيران الحديثة.
مشاركة المملكة في هذا الحدث الدولي لم تكن مجرد حضور رمزي، بل كانت بمثابة إعلان جديد عن تحول اقتصادي شامل تقوده الرياض وفق رؤية طموحة تضع التنوع والاستدامة في صلب أولوياتها الاستراتيجية.
إقرأ ايضاً:"رعب" في رحلة الحجاج.. بلاغ بوجود "قنبلة" يجبر طائرة سعودية على الهبوط في مطار إندونيسيفي دقائق معدودة.. "أبشر أعمال" يطلق ميزة جديدة تحل أعقد مشاكل السفر لموظفيك
ومن خلال هذه المشاركة، تسعى المملكة إلى إعادة صياغة دورها الاقتصادي عالميًا، عبر فتح آفاق جديدة للتعاون الدولي في مجال الطيران والنقل الجوي، وتقديم نفسها كمركز لوجستي حيوي يربط بين قارات العالم، استنادًا إلى ما تملكه من موقع جغرافي فريد وبنية تحتية آخذة في التطور، يأتي ذلك انسجامًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، عبر إطلاق مشاريع نوعية واستقطاب استثمارات عالية القيمة في مجالات التقنية والتصنيع والطيران.
وخلال اجتماع سعودي–فرنسي رفيع المستوى على هامش المعرض، طرحت المملكة حزمة من الفرص الاستثمارية الواعدة، شملت مجالات البنية التحتية للمطارات، والملاحة الجوية، والتقنيات الحديثة المرتبطة بإدارة وتشغيل المطارات، وهي مجالات تُعد من المحركات الأساسية لأي اقتصاد حديث يرنو إلى الريادة الإقليمية والدولية، هذه المبادرات لم تقتصر على الطرح النظري، بل تُوجت بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي ركزت على توطين التكنولوجيا، وتطوير الخدمات الأرضية، وتصميم برامج تدريبية تستهدف تأهيل الكفاءات الوطنية.
الاجتماع رفيع المستوى عكس قوة العلاقات السعودية الفرنسية، حيث تُعد فرنسا أحد أبرز الشركاء الاستراتيجيين للمملكة في أوروبا، وقد تجاوز حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين 20 مليار ريال خلال عام 2024، وجاء هذا اللقاء امتدادًا لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرياض أواخر العام الماضي، التي أسفرت عن وضع خارطة طريق جديدة للتعاون الاستراتيجي، شملت إنشاء مجلس شراكة دائم بين الجانبين.
وفي إطار التوسع في الربط الجوي العالمي، أعلن رئيس الهيئة العامة للطيران المدني عبدالعزيز بن عبدالله الدعيلج أن الاستراتيجية الوطنية للطيران تستهدف ربط المملكة بأكثر من 250 وجهة عالمية بحلول عام 2030، في خطوة تهدف إلى تحويل المملكة إلى نقطة التقاء رئيسية لحركة النقل الجوي والتجارة العابرة للقارات، وتشمل هذه الرؤية الطموحة رفع الطاقة الاستيعابية للمطارات إلى 330 مليون مسافر سنويًا، والتوسع في قدرات الشحن الجوي لتصل إلى 4،5 مليون طن سنويًا.
كما ناقش الاجتماع عددًا من القضايا ذات الصلة بمستقبل الطيران، مثل تحديات الابتكار والتقنيات المستدامة، حيث أكد الطرفان على أهمية التعاون في تطوير بنية تحتية ذكية وصديقة للبيئة، تعزز من كفاءة النقل وتقلل من البصمة الكربونية لهذا القطاع الحيوي، هذا التوجه يعكس إدراكًا سعوديًا عميقًا بأن الطيران المدني لم يعد مجرد وسيلة نقل، بل أصبح أداة استراتيجية لبناء اقتصاد معرفي متنوع، يرتكز على التقنية والابتكار والاستدامة.
الاستثمارات التي تطرحها المملكة في قطاع الطيران ليست فقط بهدف تحسين الخدمات، بل تأتي ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى تحويل السعودية إلى مركز إقليمي للملاحة الجوية، وربط الشرق بالغرب من خلال شبكة خطوط جوية تتكامل مع مشاريع عملاقة مثل "نيوم" و"القدية" و"البحر الأحمر"، وتُعد هذه الخطوات مؤشرًا على تسارع وتيرة التغيير في المشهد الاقتصادي السعودي، حيث بات التركيز منصبًا على تعزيز القدرات التنافسية وخلق بيئة أعمال جاذبة.
وتُراهن السعودية على أن الاستثمار في قطاع الطيران سيُسهم في تسريع التحول الوطني، من خلال توفير عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية، وزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، فضلًا عن تعزيز السياحة والأنشطة المرتبطة بها، في ظل ما تشهده البلاد من انفتاح متسارع على العالم، هذا التحول يتزامن مع ثقة متنامية من قبل الشركات العالمية في السوق السعودية، التي باتت تُعد واحدة من أكثر الأسواق حيوية في الشرق الأوسط من حيث النمو والفرص المستقبلية.
ومع استمرار العمل على تحديث منظومة الطيران وتطوير الكفاءات الوطنية، تؤكد المملكة أنها عازمة على لعب دور قيادي في صناعة الطيران العالمي، ليس فقط كمستهلك للتقنيات، بل كمصدر للابتكار والخبرة، وهو ما تجلى بوضوح في ما عرضته خلال معرض باريس الجوي، بهذا الحضور النوعي، تؤكد السعودية أنها تكتب فصلًا جديدًا من فصول صعودها الاقتصادي، وأن سماء الطيران قد تكون أحد أبرز ميادين تفوقها القادم.