تحرك مفاجئ من شركة عملاقة .. أرامكو تطلق مركزًا إقليميًا لحماية ثروات الخليج البحرية

في خطوة جديدة تعكس التزامها المتنامي بالاستدامة البيئية والتنمية المجتمعية، دشّنت شركة أرامكو السعودية المركز الإقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية، وذلك في منطقة الخليج العربي بالتعاون مع وزارة الطاقة، ووزارة البيئة والمياه والزراعة، ويأتي هذا المشروع الطموح ليجسّد توجهات المملكة نحو اقتصاد مستدام يوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.
ويهدف المركز الجديد إلى تعزيز الاستزراع المائي وتطوير سبل عيش الصيادين المحليين، كما يركز على تحسين الإنتاج السمكي المحلي من خلال تبني أفضل الممارسات البيئية، مما يسهم في تربية أسماك ذات جودة عالية، قابلة للتسويق والمنافسة على المستوى العالمي، وهو ما يُعد خطوة نوعية ضمن إطار تحقيق الأمن الغذائي للمملكة.
إقرأ ايضاً:لمن يسعى للتميّز.. جامعة الأمير مقرن تُطلق بوابة القبول لعام 2025–2026أزمة تضرب الهلال في توقيت حساس.. والجمهور يترقب القرار المصيري
وتؤكد أرامكو أن إنشاء المركز يندرج ضمن التزاماتها بمسؤوليتها الاجتماعية والمبادرات البيئية، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه الحياة البحرية في الخليج العربي، إذ يسعى المركز إلى إعادة التوازن الطبيعي عبر إعادة إطلاق أنواع من الأسماك المحلية التي تناقصت أعدادها بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية.
ويقع المركز في جزيرة أبو علي في مدينة الجبيل، ويضم مفرخة متطورة تعمل على إنتاج وتربية الأسماك ضمن دورة حياة كاملة داخل أحواض مخصصة، ابتداءً من التفريخ والإخصاب، وصولًا إلى إطلاق الأسماك الصغيرة في مياه الخليج، كما يعتمد على تقنيات متقدمة في مجال الاستزراع المائي وإعادة تدوير المياه لضمان تحقيق أفضل النتائج البيئية والاقتصادية.
وأوضح سالم الهريش، النائب الأعلى للرئيس لخدمات أحياء السكن في أرامكو، أن المركز يُعد نموذجًا عمليًا للتكامل بين التنمية البيئية والتنمية الاقتصادية، مشيرًا إلى أن هذا المشروع يعكس رؤية أرامكو في جعل الاستدامة جزءًا جوهريًا من أعمالها، وبما يتسق مع توجهات رؤية المملكة 2030 في مجال تطوير الثروات الطبيعية واستدامة البيئة.
وأضاف الهريش أن المركز سيسهم في تمكين المجتمعات الساحلية من الاستفادة من الثروات البحرية بطريقة مسؤولة، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الصيادين المحليين، ويعزز قدرتهم على تحسين دخلهم من خلال تقنيات حديثة وممارسات مستدامة تُقدَّم لهم عبر برامج تأهيل وتدريب شاملة.
ويأتي هذا المشروع ضمن سلسلة من المبادرات البيئية الكبرى التي تتبناها أرامكو، والتي تشمل أيضًا مشروع زراعة أشجار المانجروف على سواحل المملكة، إذ نجحت الشركة حتى الآن في زراعة أكثر من 43 مليون شجرة مانجروف، تُعدّ هذه الأشجار ملاذًا طبيعيًا مهمًا لصغار الأسماك، ما يعزز من فرص بقائها وتكاثرها بعد إطلاقها في البحر.
ويعتمد المركز على نموذج دائري للاستزراع المائي، إذ تُعاد المياه المستخدمة إلى الدورة الإنتاجية بعد معالجتها، وهو ما ينسجم مع أهداف الاقتصاد الدائري الذي تسعى أرامكو إلى ترسيخه ضمن أنشطتها البيئية، وهو كذلك يعزز كفاءة الموارد، ويقلل من الهدر المائي، ويحدّ من التأثير البيئي السلبي.
كما يجسد المشروع تعاونًا وثيقًا بين جهات حكومية رفيعة، حيث تم تصميمه وتنفيذه بالشراكة مع وزارة الطاقة، ووزارة البيئة والمياه والزراعة، في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى توحيد الجهود لحماية البيئة البحرية، وتنمية المجتمعات المحلية بطريقة مستدامة.
وتعتبر هذه الخطوة امتدادًا لسلسلة من مشاريع أرامكو التي تسعى إلى إحداث تأثير إيجابي في البيئة البحرية، خصوصًا في منطقة الخليج العربي التي تشهد ضغوطًا بيئية متزايدة بفعل التغيرات المناخية والصيد الجائر، ما يجعل هذا المشروع حيويًا في إعادة التوازن للنظم البيئية الساحلية.
وتُعد عمليات المركز متميزة في استخدامها لتقنيات حديثة في تربية اليرقات، التي تتغذى على عوالق طبيعية يتم إنتاجها داخل المركز ذاته، وهو ما يقلل الاعتماد على مصادر خارجية للتغذية، ويزيد من كفاءة دورة الإنتاج، ويسهم في الحفاظ على جودة المياه وسلامة النظام البيئي.
ويستهدف المشروع إنتاج أنواع محلية من الأسماك المعروفة بقيمتها الغذائية العالية، والتي شهدت تراجعًا ملحوظًا في أعدادها في السنوات الأخيرة، مثل الهامور والشعري، وهي من الأنواع المفضلة للمستهلكين في المنطقة، مما يعزز من قدرة السوق المحلي على تلبية الطلب المتزايد.
ويُتوقع أن يكون للمركز دور محوري في دعم البحوث العلمية المتعلقة بالحياة البحرية، إذ يوفر بيئة مثالية للباحثين لدراسة تكاثر الأسماك المحلية، وتحليل التأثيرات البيئية، وتطوير حلول مبتكرة لحماية التنوع الحيوي في المياه الإقليمية.
ويمثل إطلاق هذا المركز علامة فارقة في تاريخ مشاريع أرامكو البيئية، إذ يجمع بين التكنولوجيا الحديثة، والتخطيط الاستراتيجي، والتعاون المؤسسي، بما يجعل منه مشروعًا رائدًا على مستوى المنطقة في مجال الاستزراع البحري المستدام.
ويُرجح أن يسهم المركز في خلق فرص عمل جديدة في قطاع الاستزراع السمكي، سواء من خلال تشغيل المفرخة أو من خلال أنشطة الدعم والخدمات المرتبطة بها، ما يعزز من التنمية الاقتصادية في المناطق الساحلية، ويعطي دفعة قوية للاقتصاد المحلي.
وتسعى أرامكو من خلال هذا المشروع إلى تقديم نموذج يحتذى به في حماية البيئة البحرية، وتوظيف الإمكانيات التقنية والمالية في خدمة الطبيعة، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى مشاريع بيئية فاعلة تعالج الأضرار البيئية المتراكمة.
وفي ظل تزايد الاهتمام العالمي بالاستدامة البيئية، يأتي هذا المشروع ليؤكد ريادة أرامكو في الالتزام البيئي، ليس فقط من خلال مبادراتها الصناعية، بل أيضًا عبر مشاركتها الفعالة في بناء مستقبل بيئي متوازن، يحقق تطلعات الحاضر ويحمي حقوق الأجيال القادمة.