وراء الكواليس .. خفايا التحقيقات التي أطاحت بالجمعان بشكل رسمي

في خطوة مفاجئة أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط الرياضية والإدارية، أعلنت شركة نادي النصر، مساء الإثنين، عن فسخ عقد رئيسها التنفيذي ماجد محمد الجمعان، وذلك بعد سلسلة من التجاوزات الإدارية والإعلامية التي اعتُبرت خروجًا عن بنود العقد ومساسًا بصورة الكيان.
وقد جاء القرار بعد تحقيقات داخلية موسعة استمرت لأسابيع، عقب ورود بلاغات رسمية من جهات وصفت بأنها "داخلية وخارجية"، تشير إلى وجود ممارسات غير نظامية ارتكبها الجمعان خلال فترة توليه لمنصبه، مما استدعى تدخل مجلس الإدارة لاحتواء الوضع واتخاذ إجراءات تصحيحية عاجلة.
إقرأ ايضاً:السعودية تقتحم أكبر مؤتمر عالمي للتقنية الحيوية وتكشف عن فرص استثمارية وابتكارات مذهلةإطلاق رقمي يُحدث نقلة نوعية في هيئة الأمر بالمعروف .. السند يدشن منصة وثائق إلكترونية متكاملة
وتعود بداية الأزمة إلى الثامن من مايو 2025، حين قررت الإدارة تجميد صلاحيات الجمعان بشكل كامل، على خلفية تلك البلاغات التي أثارت الريبة حول بعض تحركاته الإدارية، حينها، تم فتح ملف تحقيق رسمي، تم بموجبه إبلاغ الجمعان بكل التفاصيل المرفوعة ضده، وطلب منه توقيع تعهد بعدم تسريب المعلومات أو التعليق عليها علنًا.
ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، ففي الثاني عشر من يونيو الجاري، قام الجمعان بنشر تغريدة عبر منصة "إكس" حملت انتقادات مبطّنة لطريقة إدارة النادي، واحتوت إشارات اعتبرتها الإدارة محاولة للتأثير على الرأي العام دون تقديم مستندات أو أدلة توثّق ما نُشر، مما أدى إلى اعتباره خرقًا مباشرًا للتعهدات الموقعة مسبقًا.
ولم يتأخر نادي النصر في الرد، فقد وصف التغريدة بأنها "إساءة علنية تمس سمعة الكيان وتؤثر على ثقة الجمهور والمستثمرين"، معتبرًا أن التجاوز تجاوز حدود حرية الرأي ليصل إلى محاولة واضحة لتضليل المتابعين والإضرار بالمصلحة العامة للشركة الرياضية.
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الشركة، فإن الجمعان حصل على كامل حقه في الرد والدفاع عن نفسه أمام لجنة التحقيق الداخلية، وتم منحه الوقت الكافي لتقديم التوضيحات والمستندات الداعمة لموقفه، قبل أن يُتخذ القرار النهائي بفسخ التعاقد بالإجماع من قبل أعضاء مجلس الإدارة.
وأوضحت الإدارة في بيانها أن الجمعان، منذ توليه المنصب في يناير 2025، لم يقدم أي خطة تشغيلية أو استراتيجية واضحة للنهوض بالشركة أو تطوير منظومتها الإدارية، رغم منحه كافة الصلاحيات ودعمه في تنفيذ ما يراه مناسبًا للمصلحة العامة، الأمر الذي أثار تساؤلات عديدة عن جدوى استمراره في المنصب.
وشددت الشركة على أن القرار يأتي في إطار التزامها بالشفافية والمساءلة، وأنها ماضية في إعادة هيكلة منظومتها الإدارية بما يواكب متطلبات المرحلة الجديدة، التي تتطلب وضوحًا في الرؤية وفاعلية في الأداء، بعيدًا عن أية حسابات شخصية أو إعلامية.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه الأندية السعودية تحولات جذرية على مستوى الحوكمة والإدارة، في إطار التوجه العام نحو تعزيز بيئة احترافية تضمن النزاهة والكفاءة في الأداء، مما يجعل مثل هذه القرارات موضع متابعة دقيقة من قبل الجمهور والمراقبين.
وفي ظل تصاعد الحديث عن التغريدة محل الجدل، لم يصدر حتى الآن أي توضيح رسمي من الجمعان بشأن فحوى ما نشره، أو عن تفاصيل ما جرى في التحقيقات الداخلية، مما يفتح الباب أمام تكهنات وتساؤلات عديدة حول خلفيات الأزمة وطبيعة المخالفات المشار إليها.
ويرى مراقبون أن قرار الإقالة جاء متأخرًا نسبيًا، خاصة في ظل ما وصفوه بـ"الفتور الإداري" الذي طبع أداء الشركة خلال الأشهر الماضية، وسط حالة من الغموض والجمود في الخطط التنفيذية، وهو ما انعكس، بحسب البعض، على بعض مخرجات الفريق والمؤسسة ككل.
وفي المقابل، رحب جزء من جمهور النصر بالخطوة، معتبرين أنها تأتي في الوقت المناسب قبل انطلاق الموسم الجديد، وتدل على جدية الإدارة في تصحيح المسار، ووضع معايير أكثر صرامة تجاه المناصب القيادية داخل المنظومة.
فيما دعا آخرون إلى مزيد من الشفافية في نشر نتائج التحقيقات، والكشف عن نوعية المخالفات التي ارتكبها الجمعان، منعًا لتكرار مثل هذه التجاوزات مستقبلًا، ولضمان ثقة الشركاء والمشجعين في إدارة النادي.
وتسلط هذه القضية الضوء على التحديات التي تواجهها الأندية السعودية في مرحلة التحول نحو الخصخصة الكاملة، حيث يُنتظر من الإدارات التنفيذية تقديم أداء نوعي ومُحاسب، يتماشى مع التطلعات الكبيرة للمستثمرين والدولة والجماهير.
كما تُعيد الواقعة النقاش حول خطورة استخدام المنصات الاجتماعية من قبل المسؤولين التنفيذيين، وتأثيرها على سمعة الكيانات التي يمثلونها، خصوصًا في بيئة رياضية جماهيرية سريعة التفاعل والتأثر.
ومن غير المعروف حتى الآن من سيخلف الجمعان في منصب الرئيس التنفيذي، لكن التوقعات تشير إلى أن الشركة ستتجه إلى اختيار شخصية ذات خلفية إدارية قوية، مع قدرة على إدارة الأزمات واحتواء التحديات الراهنة.
ومن المرجح أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تحركات حثيثة من مجلس الإدارة لإعادة ضبط البوصلة الإدارية، خصوصًا مع اقتراب بدء التحضيرات للموسم المقبل، وما يتطلبه ذلك من استقرار تنظيمي ومهني على أعلى المستويات.