الذهب يشتعل .. تحركات غامضة للمستثمرين في قلب أزمة الشرق الأوسط

في خضم التوترات المتصاعدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، عاد الذهب مجددًا إلى واجهة المشهد الاقتصادي العالمي، مدفوعًا بحالة القلق الجيوسياسي التي أثارتها الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي الإيرانية، وهذا التوتر أطلق موجة من الطلب على أصول الملاذ الآمن، وعلى رأسها المعدن الأصفر.
وقد سجلت أسعار الذهب ارتفاعًا ملموسًا اليوم، حيث قفزت في المعاملات الفورية بنسبة 1.7% لتصل إلى 3439.79 دولار للأوقية، مقتربة من أعلى مستوياتها المسجلة خلال شهر أبريل عند 3500.05 دولار، وهذا التحرك الحاد يأتي انعكاسًا لمخاوف المستثمرين من احتمالية اندلاع صراع إقليمي واسع النطاق قد يهدد استقرار الأسواق العالمية.
إقرأ ايضاً:التعليم السعودية تُغلق الباب: قرار سعودي جديد عن الدروس الخصوصيةللحصول على تأشيرة عمرة عبر نسك .. الحج والعمرة تكشف عن شرط إلزامي جديد
وفيما يتعلق بالعقود الأمريكية الآجلة للذهب، فقد ارتفعت بدورها إلى 3461 دولارًا للأوقية، مما يعزز من الاتجاه الصعودي للمعدن الأصفر ويؤكد رواج الإقبال عليه كملاذ استثماري في أوقات الاضطراب.
كما سجل الذهب مكاسب أسبوعية بلغت نحو 4%، في إشارة واضحة إلى تحوّل في مزاج الأسواق تجاه الأصول عالية الأمان.
ويرى محللون أن هذا الصعود لا يتعلّق فقط بالحرب المحتملة، بل أيضًا بتأثيرات متراكمة من تباطؤ اقتصادي عالمي، وتقلبات في أسواق العملات، بالإضافة إلى ترقب المستثمرين لسياسات البنوك المركزية الكبرى حيال أسعار الفائدة، مما يجعل الذهب خيارًا أكثر استقرارًا في مواجهة الغموض الاقتصادي.
لكن الضربة العسكرية الإسرائيلية، التي لم تُكشف تفاصيلها الكاملة بعد، جاءت لتفاقم الوضع الإقليمي المتوتر أصلًا، مما دفع المتعاملين في الأسواق إلى التحوّط، فكان الذهب هو الوجهة الأكثر أمانًا في ظل ما وُصف بموجة "شراء وقائية" من المستثمرين العالميين.
وفي ظل هذه التطورات، لم يواكب أداء باقي المعادن النفيسة اتجاه الذهب، إذ سجلت الفضة تراجعًا طفيفًا بنسبة 0.3% لتستقر عند 36.24 دولار للأونصة، ويُعزى ذلك إلى طبيعة الطلب الصناعي على الفضة، مما يجعلها أقل حساسية للتحولات الجيوسياسية مقارنة بالذهب.
أما البلاتين فقد شهد انخفاضًا حادًا بنسبة 3.9% ليصل إلى 1244.91 دولار، وسط مؤشرات على ضعف الطلب في الأسواق الصناعية الرئيسية، في حين تراجع البلاديوم بنسبة 0.3% إلى 1052.28 دولار للأونصة، رغم تحقيقه لمكاسب طفيفة على المستوى الأسبوعي.
وبينما تختلف تحركات هذه المعادن باختلاف العوامل المؤثرة فيها، يبقى الذهب العنصر الأبرز في خارطة الأصول العالمية، خاصة عندما تتشابك الأزمات الجيوسياسية والمالية معًا، كما هو الحال في المرحلة الحالية.
ويرجّح بعض الخبراء أن يستمر الطلب على الذهب في الارتفاع إذا ما تواصلت الضغوط في منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا مع انعدام بوادر الحلول السياسية، وتزايد احتمالات انجرار قوى دولية إلى النزاع، مما قد يهدد بإحداث ارتدادات في أسواق النفط والعملات أيضًا.
كما يرى مراقبون أن التحركات الحالية لا تعكس فقط الأوضاع الآنية، بل تعبّر عن نمط جديد من التفاعل بين السياسة والاقتصاد، حيث أصبحت الأسواق أكثر يقظة تجاه أي تطور في بؤر التوتر، خصوصًا في مناطق لها ثقلها في إنتاج الطاقة العالمي.
وإذا استمر التصعيد بين إسرائيل وإيران دون تدخلات دولية لاحتوائه، فقد نشهد اندفاعًا أكبر نحو الذهب، وربما تجاوزه لأعلى مستوياته التاريخية، في ظل انعدام الثقة بالسندات والعملات في أوقات النزاعات.
ومن جهة أخرى، تشير بعض التوقعات إلى إمكانية تدخل بعض البنوك المركزية الكبرى عبر ضخ سيولة أو اتخاذ خطوات لتثبيت الأسواق، وهو ما قد يضيف عنصرًا جديدًا من عدم اليقين، ويزيد من جاذبية الذهب كخيار آمن.
وهذا التفاعل بين الأسواق والتوترات الجيوسياسية يؤكد مجددًا أن الذهب لا يزال يلعب دوره التاريخي كأداة لحفظ القيمة، وكصمام أمان حين تعجز الأدوات المالية التقليدية عن امتصاص الصدمات.
ويبدو أن المستثمرين باتوا أكثر استعدادًا للتحوّط، خصوصًا مع الأحاديث المتكررة عن إمكانية تغيّر خريطة التحالفات في المنطقة، واحتمال تدخل أطراف دولية بشكل مباشر في النزاع المتصاعد.
وفي الوقت الذي تترقب فيه الأسواق ما ستؤول إليه التطورات على الساحة السياسية، يتزايد الحديث في الأوساط الاقتصادية عن مستقبل الاستثمار في الذهب، وما إذا كان هذا الاتجاه الصعودي سيكون مؤقتًا أم أنه بداية لموجة طويلة المدى.
ويبقى المؤكد في هذه اللحظة أن الذهب قد استعاد بريقه بقوة، وفرض نفسه كأكثر الأصول جذبًا في عالم تتزايد فيه المخاطر السياسية، وتتضاءل فيه الثقة بالاستقرار الاقتصادي العالمي.