في 6 دقائق فقط: "الصحة" تطلق أول رحلة طائرة درون لخدمة الحجاج شرق عرفات

في تطور نوعي يجسد التقاء الرعاية الصحية بالتكنولوجيا المتقدمة، أعلنت وزارة الصحة السعودية عن تنفيذ أولى رحلات الدرون الصحية خلال موسم الحج، وذلك في خطوة تُعد الأولى من نوعها في تاريخ الخدمات الطبية المقدمة لضيوف الرحمن.
وقد انطلقت الرحلة من مستودع "نوبكو" متجهة نحو شرق عرفات، قاطعة مسافة 4 كيلومترات في 6 دقائق فقط، مما يعكس نقلة حقيقية في طريقة إيصال الخدمات الصحية في ظروف استثنائية تفرضها طبيعة موسم الحج.
إقرأ ايضاً:أسطورة الهلال يعترف بصراحة نارية تثير جدل جماهير الكرة فماذا قال؟!دراسة تحذّر: مقاطع الفيديو قبل النوم ترفع ضغط الدم بشكل مقلق لدى الشباب
وتأتي هذه المبادرة ضمن خطط الوزارة الطموحة الرامية إلى تسخير التقنيات الحديثة ورفع كفاءة الاستجابة الطبية، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تضع صحة الإنسان وجودة الحياة في مقدمة أولوياتها، خاصة في ظل التحديات التي تفرضها الكثافة البشرية في المشاعر المقدسة، وصعوبة الحركة والتنقل في بعض المواقع.
وبحسب ما أعلنته وزارة الصحة، فإن طائرة الدرون المستخدمة في هذه الرحلة مزودة بصندوق تبريد عالي الجودة يضمن حفظ الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية بدرجة حرارة مناسبة، بما يضمن وصول المواد الحساسة في حالة ممتازة إلى مواقعها المستهدفة.
وذكرت الوزارة أن الرحلة التجريبية التي تمت بنجاح إلى شرق عرفات، تأتي ضمن خطة متكاملة لإدخال تقنيات الطائرات بدون طيار إلى منظومة العمل الصحي في الحج، حيث يتم استخدامها لنقل المواد الطبية الطارئة، والمساهمة في توفير الوقت والجهد، لا سيما في المناطق التي قد يصعب الوصول إليها بسرعة بسبب الزحام أو الطبيعة الجغرافية.
وأظهرت البيانات الفنية المصاحبة للرحلة أن مدة الرحلة البالغة ست دقائق فقط تُعد إنجازًا في حد ذاتها، إذ إن نقل نفس الحمولة عبر المركبات التقليدية في أوقات الذروة قد يستغرق وقتًا مضاعفًا.
وتُعد هذه السرعة عاملاً حاسمًا في الحالات الطبية الطارئة التي تعتمد على وصول الأدوية أو المستلزمات، خلال وقت قياسي لإنقاذ حياة مريض أو تقديم إسعاف أولي فعال.
ولم تكن السرعة وحدها محل الاهتمام في هذه التجربة الرائدة، بل أوضحت وزارة الصحة أن الدرون خضعت لاختبارات دقيقة لضمان السلامة الجوية والالتزام بأعلى المعايير الدولية في تشغيل الطائرات بدون طيار، خاصة في منطقة مزدحمة كالمشاعر المقدسة، وتم تزويد الطائرة بأنظمة ملاحة متطورة تسهم في تثبيت المسار وضمان وصول الحمولة بأمان.
ويأتي تشغيل الدرون بعد تنسيق مع عدد من الجهات المعنية، من بينها هيئة الطيران المدني والجهات الأمنية، لضمان سلامة المسارات الجوية وعدم تعارضها مع حركة الطيران أو الأمن العام.
ومن جانب آخر، أكد مسؤولو وزارة الصحة أن هذه التجربة الناجحة تمثل مجرد بداية لخطة أوسع تهدف إلى نشر استخدام طائرات الدرون في مواسم الحج المقبلة، ليس فقط لنقل الأدوية، بل ربما لنقل عينات مختبرية أو أجهزة طبية صغيرة، أو حتى المساهمة في المراقبة الجوية للمواقع الصحية وتقييم الأوضاع في الحالات الطارئة.
وأضاف المتحدث الرسمي باسم الوزارة أن إدخال الدرون يعزز كفاءة شبكة الرعاية الصحية، ويقلل من الزمن اللازم لتقديم الخدمة، كما يُسهم في تقليل الضغط على الكوادر الميدانية، ويمنحها القدرة على التحرك بكفاءة أعلى في المواقع الأكثر حاجة.
وتجسد هذه المبادرة مدى التحول الرقمي والاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الذكية في إدارة الحج، وهو توجه تنتهجه الحكومة السعودية بشكل متسارع خلال السنوات الأخيرة.
ولا تقتصر جهود التكنولوجيا في الحج على المجال الصحي فقط، بل تمتد إلى النقل، وإدارة الحشود، والتفويج، وأنظمة التتبع الذكية، وخدمة المستفيدين إلكترونيًا.
وتعكس هذه الخطوة أيضًا وعي الوزارة بأهمية الابتكار في بيئة ميدانية معقدة مثل المشاعر المقدسة، حيث تتطلب حركة مئات الآلاف من الحجاج يوميًا أعلى درجات التنسيق والمرونة، وهو ما تقدمه الحلول التقنية بكفاءة واضحة.
وبينما تستعد الوزارة لتقييم التجربة وتوسيع نطاقها، يُنتظر أن تلعب هذه التكنولوجيا دورًا أكبر خلال المواسم القادمة، لتتحول من مشروع تجريبي إلى جزء لا يتجزأ من منظومة الحج الصحية، وربما تتوسع إلى توصيل الأدوية للحجاج في مقار سكنهم، أو خدمة المستشفيات الميدانية المنتشرة في مناطق المشاعر.
كما يُتوقع أن تسهم هذه التجربة في تسريع عمليات الطوارئ الطبية، وتحقيق نتائج إيجابية ملموسة في جودة الرعاية، وتقليل معدلات الوفاة الناتجة عن التأخر في الإمداد الطبي.
ويبقى موسم الحج بيئة اختبار حقيقية لقدرة الأنظمة على الصمود أمام التحديات، ويمثل مختبرًا واقعيًا لتجريب أحدث ما توصلت إليه البشرية في تسهيل حياة الإنسان وخدمته.
وفي ظل الدعم اللامحدود الذي توليه القيادة السعودية للحج، يتضح أن وزارة الصحة تمضي بثقة في طريق تطوير خدماتها بما يتواكب مع طموحات المستقبل، ويليق بمكانة المملكة كحاضنة لأهم شعائر المسلمين.