أبل تحت الضغط: هل ستنتقل مصانع الآيفون إلى الولايات المتحدة؟

لا تزال شركة «أبل» تواجه ضغطًا سياسيًا متزايدًا لنقل تصنيع هواتف «آيفون» إلى داخل الولايات المتحدة، رغم التحديات التي تجعل هذا المطلب أقرب إلى الطموح منه إلى الواقع، فمنذ أكثر من عقد، طرح الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما هذا السؤال على ستيف جوبز، المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي السابق لـ«أبل»، ومع تعاقب الرؤساء، عاد دونالد ترمب ليحيي الجدل مجددًا، لكن هذه المرة وسط مناخ اقتصادي مختلف ومخاطر أعلى.
ترمب، في إطار حملته الاقتصادية، هدّد بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% على كل جهاز «آيفون» يُباع داخل الولايات المتحدة دون أن يُصنّع على أراضيها، وقد عبّر بوضوح عن موقفه في منشور على منصة "تروث سوشيال"، موجهًا حديثه إلى تيم كوك، الرئيس التنفيذي الحالي لـ«أبل»، ومؤكدًا أنه لا يتوقع أن تُنتج الشركة هواتفها في الهند أو أي بلد آخر بعد الآن، لكن هذا التهديد لم يكن كافيًا لقلب موازين سلسلة الإمداد العالمية التي تعتمد عليها «أبل» منذ سنوات.
إقرأ ايضاً:الذكاء الاصطناعي يجمع الغريمين: جوجل وأبل في تعاون مفاجئ فماذا ستكون النتيجة؟خطة النصر لإرضاء رونالدو: "جوكر" ليفربول على رأس القائمة
وفي وقت سابق من مايو الجاري، أكد كوك أن غالبية هواتف «آيفون» المخصصة للسوق الأميركية سيتم شحنها من الهند، وهو ما ينسجم مع الاتجاه المتنامي لـ«أبل» في تنويع مصادر الإنتاج بعيدًا عن الصين، ولكن دون أن يشمل هذا الاتجاه الولايات المتحدة بشكل مباشر، رغم ذلك، تبقى رغبة ترمب في إعادة التصنيع إلى الداخل الأميركي هدفًا رمزيًا ضمن استراتيجيته الأوسع لإعادة التوازن التجاري وتحفيز التوظيف المحلي.
الخبراء الذين استطلعت شبكة "سي إن إن" آراءهم أجمعوا على أن نقل عمليات إنتاج «آيفون» إلى الولايات المتحدة ليس مجرد قرار إداري، بل هو تحدٍ ضخم سيغير نمط الإنتاج بالكامل، فالهند والصين لا توفران فقط تكلفة أقل، بل تملكان بنية تحتية متقدمة وقدرة بشرية ماهرة قادرة على تلبية الطلب الضخم بسرعة وكفاءة، ومع أن «فوكسكون»، الشريك الصناعي الرئيسي لـ«أبل»، توظف مئات الآلاف في مواسم الذروة، فإن بيئة التصنيع الأميركية تفتقر إلى هذه الكثافة الإنتاجية والبراعة الفنية المتخصصة.
ديبانجان تشاترجي، المحلل في شركة «Forrester»، أوضح أن التخصص والتكامل بين العمليات في الصين هو ما يضمن لـ«أبل» إنتاج ملايين الأجهزة سنويًا بدقة متناهية، مشيرًا إلى أن نقل هذا النموذج إلى الولايات المتحدة "غير مجدٍ" في الوقت الراهن، كما أشار إلى أن العاملين في مصانع الصين يعيشون غالبًا داخل المجمعات الصناعية، ما يمنح «أبل» مرونة استثنائية في تعديل خطط الإنتاج عند الحاجة، وهي ميزة يصعب تكرارها محليًا في أميركا.
من جانبه، قال ديفيد ماركوت من شركة «Kantar» إن تصنيع «آيفون» لا يقتصر على تجميع القطع، بل يتطلب خبرات متراكمة لتطوير وإنتاج كل مكون، هذا التعقيد الصناعي لا يمكن نقله بين ليلة وضحاها، خاصة في ظل ضعف الإقبال على وظائف التصنيع في الولايات المتحدة، حيث لم تعد تتجاوز نسبة العاملين بهذا القطاع 8% مقارنة بـ26% في سبعينيات القرن الماضي، وفقًا لإحصاءات العمل الأميركية.
ورغم هذه المعوقات، تحاول «أبل» أن تُظهر التزامها بالسوق الأميركي، إذ أعلنت في فبراير عن خطة استثمارية ضخمة بقيمة 500 مليار دولار تمتد لأربع سنوات، تتضمن إنشاء أكاديمية تعليمية في ديترويت ومركز تصنيع خوادم مخصص لدعم الذكاء الاصطناعي، كما عبّرت شركة «TSMC» التايوانية عن التزام مماثل بتوسيع نشاطها داخل الولايات المتحدة، وهو ما وصفه ترمب بـ"الانتصار السياسي"، لكن الأكاديمية الجديدة التي ستديرها «أبل» لن تركز على تدريب عمّال مصانع الهواتف، بل تستهدف الشركات الناشئة وتعزيز قدراتها في تقنيات التصنيع الذكي.
تيم كوك بدوره أقر بأن الفجوة في المهارات تمثل عائقًا كبيرًا أمام نقل تصنيع «آيفون» إلى أميركا، ففي حديث سابق له، وصف البيئة الصناعية في الصين بأنها مزيج نادر من "الحرفيين والروبوتات المتقدمة وعلماء الكمبيوتر"، وهو ما تحتاجه «أبل» لتحقيق المستوى العالي من الدقة والجودة الذي تشتهر به، ومع ذلك، يرى بعض المحللين مثل باتريك مورهيد، مؤسس شركة «Moor Insights & Strategy»، أن إمكانية إنتاج بعض طرازات «آيفون» محليًا قد تصبح ممكنة خلال خمس سنوات، إذا تم الاعتماد بشكل أكبر على الأتمتة لتجاوز نقص المهارات.
لكن يبقى التساؤل الجوهري: هل سيدفع الأميركيون ثمنًا أعلى من أجل "صناعة وطنية" لهواتفهم؟ وهل تضحّي «أبل» بهوامش أرباحها من أجل أهداف سياسية؟ الواقع يشير إلى أن مزيج الكفاءة، والسرعة، والخبرة المتاحة في آسيا لا يزال من الصعب استنساخه محليًا، حتى في ظل الضغوط المتصاعدة من البيت الأبيض.