كيف رفضت آبل عرض ماسك الملياري لشبكة ستارلينك في هواتف آيفون؟

شهدت الساحة التقنية في السنوات الأخيرة صراعًا غير معلن بين عملاق التكنولوجيا آبل والرائد في صناعة الفضاء إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس، هذا الصراع لم يكن حول المنتجات التقليدية فقط، بل امتد ليشمل مجال الاتصال الفضائي، حيث تنافست الشركتان على السيطرة على خدمة الاتصال عبر الأقمار الصناعية في هواتف آيفون.
بحسب تقرير حديث نشره موقع "ذا إنفورميشن" التقني، بدأ النزاع عندما كانت آبل تضع اللمسات الأخيرة على شراكتها مع شركة Globalstar لإطلاق خدمة اتصال فضائي مع هواتف آيفون 14 في عام 2022، في هذه الأثناء، اقترب ماسك من آبل بعرض جريء، يقترح فيه أن تتولى شركته "ستارلينك" التابعة لسبيس إكس توفير خدمة الاتصال الفضائي حصريًا لهواتف آيفون لمدة 18 شهرًا، العرض شمل دفعة أولية تصل إلى 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى مليار دولار سنويًا مقابل استمرار آبل في استخدام خدمات ستارلينك.
إقرأ ايضاً:بـ35 لغة: رسالة خطبة عرفة ستصل للعالميةمحرك اقتصادي جديد في السعودية: قفزة بنسبة 48% في سجلات منشآت خلال عام واحد
هذا العرض لم يكن مجرد صفقة تجارية، بل حمل تهديدًا ضمنيًا، فقد حدد ماسك مهلة 72 ساعة لآبل للرد والموافقة، مهددًا بأنها في حال الرفض، فإنه سيكشف عن ميزة مشابهة ستعمل مع هواتف آيفون من طرف شركته، هذا التصعيد المفاجئ لم يُرحب به لدى آبل، التي رفضت العرض بشكل واضح.
ما لم تكن تتوقعه آبل هو أن ماسك لم يكتفِ بالرفض، بل استغل الرفض سريعًا ليعلن عن شراكة استراتيجية بين سبيس إكس وشركة الاتصالات الأمريكية T-Mobile بعد أسبوعين فقط من رفض العرض، هذه الشراكة تتيح للمستخدمين إرسال واستقبال الرسائل النصية في المناطق التي تفتقر لتغطية الشبكات التقليدية، مستفيدين من شبكة الأقمار الصناعية لستارلينك، مما يعزز حضور سبيس إكس في سوق الاتصالات الفضائية.
لكن الصراع لم يتوقف عند هذا الحد، إذ لجأت سبيس إكس إلى الجانب القانوني، مقدمة طعنًا في استخدام شركة Globalstar لطيف الترددات اللاسلكية الذي منح لها، وهو النطاق الذي تعتمد عليه آبل في خدمات الاتصال عبر الأقمار الصناعية، واتهمت سبيس إكس Globalstar بعدم استغلال هذا النطاق الترددي بشكل فعّال، متهمة إياها بمحاولة احتكار الترددات ومنع دخول المنافسين إلى السوق، إذا نجحت سبيس إكس في هذه القضية، فقد يكون لذلك تأثير كبير على قدرة آبل في تقديم خدمات الاتصال الفضائي، وربما يعيد تشكيل المشهد التنافسي في هذا المجال.
وما زاد الأمور تعقيدًا هو إدراج اسم آبل ضمن الملفات الرسمية لهذه القضية القانونية، وهو أمر سبب استياء واضحًا في أروقة الشركة، فمسؤولو آبل فضلوا البقاء خارج النزاعات القانونية التي تبدو شخصية أو ذات طابع تجاري مباشر مع ماسك، لكنهم وجدوا أنفسهم مدفوعين إلى المعركة بسبب هذا الربط.
هناك تقارير داخل الشركة تشير إلى أن بعض الموظفين يرون في العلاقة القوية التي تربط ماسك بإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ميزة قد تمنح سبيس إكس أفضليات عند لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC)، هذا الاعتقاد جاء في ظل توتر العلاقات بين ترامب والرئيس التنفيذي لآبل، تيم كوك، مما وضع الشركة في موقف دفاعي متزايد.
تصاعد الخلاف في الآونة الأخيرة مع إعلان شراكة T-Mobile مع سبيس إكس، حيث حاول ماسك إقناع آبل بتوسيع دعم هذه الخدمة لتشمل ليس فقط إصدارات آيفون 14، بل النسخ السابقة من هواتف آيفون أيضًا، آبل رفضت هذا الطلب بشكل قاطع، ما أثار غضب ماسك الذي رآه إضعافًا لمشروعه في التواصل الفضائي.
الصراع بين الطرفين ليس فقط على مستوى الخدمات الفضائية، بل يتعدى ذلك إلى سياسات متجر تطبيقات "آب ستور"، حيث تعاني آبل من انتقادات مستمرة بسبب شروطها الصارمة التي تُعد من أبرز نقاط الخلاف مع عدد من الشركات التقنية، من جهته، سبق لماسك أن أشار إلى نيته طرح هاتف خاص بتطوير شركة تسلا، مجهزًا بدعم مباشر من شبكة ستارلينك، كوسيلة لتجاوز الهيمنة التي تفرضها آبل على سوق الهواتف الذكية.
هذه المعركة المفتوحة بين آبل وماسك تعكس تحولات جذرية في عالم التكنولوجيا والاتصالات الفضائية، حيث لم تعد شركات التقنية الكبرى تقتصر على منافسة المنتجات، بل تتصارع للهيمنة على البنية التحتية للاتصالات الفضائية المستقبلية، ما يجعل من هذا الصراع نموذجًا فريدًا للابتكار والتحدي القانوني والسياسي في آن واحد.
مع مرور الوقت، ستكشف الأيام ما إذا كانت هذه المواجهة ستنتهي بحلول تفاوضية أو ستتحول إلى معركة شرسة على أرض الواقع التقني والقانوني، حيث كل من الطرفين يسعى للحفاظ على مكانته في قلب التطورات التكنولوجية العالمية.