ابتكار سعودي يضاعف إنتاج المحاصيل 3 مرات دون كهرباء!

في إنجاز علمي يُبشر بتحول نوعي في تقنيات الزراعة المستدامة في البيئات الحارة والجافة، أعلن فريق بحثي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) عن تطوير تقنية تبريد هجينة مبتكرة، استطاعت مضاعفة إنتاجية بعض المحاصيل الزراعية بنسبة وصلت إلى 200% داخل مستنبتات زراعية صغيرة، دون الحاجة إلى استخدام الطاقة التقليدية، ويمثل هذا الابتكار قفزة مهمة في جهود تعزيز الأمن الغذائي وتقليل البصمة الكربونية في مناطق مثل المملكة العربية السعودية، التي تُعرف بمناخها الصحراوي القاسي.
التقنية الجديدة تقوم على دمج غطاء بلاستيكي نانوي فائق التطور مع نشارة عضوية قابلة للتحلل، لتوفير بيئة زراعية مثالية عبر تبريد سلبي فعّال، وأثبتت التجارب المعملية والميدانية أن هذا النظام المزدوج قادر على خفض درجات الحرارة داخل المستنبتات بما يصل إلى 25 درجة مئوية، مما يسهم بشكل مباشر في تحسين نمو النبات وزيادة المحصول، وتم نشر نتائج الدراسة في الدورية العلمية المرموقة Nexus، الأمر الذي يعكس أهمية الابتكار على الصعيد العالمي.
إقرأ ايضاً:وزارة الموارد البشرية تعلن موعد نزول معاش الضمان الاجتماعي المطور يونيو 2025"السديس يشيد برجال الأمن" درع الحرمين وسياج أمن ضيوف الرحمن
وأوضح البروفيسور تشياو تشيانغ غان، أحد قادة الفريق البحثي وأستاذ في كاوست، أن الابتكار يمثل بديلاً مستدامًا وذكيًا للطرق التقليدية التي تعتمد على مكيفات الهواء أو التهوية بالطاقة، والتي تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء وتؤثر سلبًا على البيئة، وقال: "معظم الأغطية الزراعية الحالية تسمح بمرور الأشعة تحت الحمراء، التي لا تساهم في عملية التمثيل الضوئي، بل تسخّن التربة والنباتات، أما نحن، فطورنا غطاءً نانوياً يسمح فقط بمرور الضوء المفيد للنبات ويمنع الأشعة الضارة".
ويعتمد الغلاف المطوّر على مادة البولي إيثيلين الشفافة، تم تحسينها بإضافة جسيمات نانوية مصممة خصيصًا لامتصاص الأشعة تحت الحمراء غير المرغوب فيها، بذلك، يبقى الضوء المرئي اللازم للنمو متاحًا للنباتات، في حين يُمنع تسرب الحرارة الزائدة إلى داخل المستنبتات، ما يخلق بيئة أكثر برودة واستقرارًا، وهذا التطوير يسهم في توسيع نطاق الزراعة ليشمل محاصيل كانت تُعدّ في السابق غير قابلة للزراعة في المناخات الصحراوية.
أما النشارة الأرضية التي ترافق الغطاء النانوي، فهي بدورها ابتكار مستقل يعتمد على مواد عضوية قابلة للتحلل، جرى تصميمها لعكس ضوء الشمس وتخفيف درجة سخونة التربة، مع مرور الوقت، تتحلل هذه النشارة بشكل طبيعي، مما يغني عن الحاجة إلى إزالتها ويمنع تراكم النفايات الزراعية، على عكس النشارة البلاستيكية التقليدية التي تُخلّف أضرارًا بيئية مستدامة.
وأشار يانبي تيان، باحث ما بعد الدكتوراه في كاوست والمصمم الرئيس للنشارة العضوية، إلى أن النشارة البلاستيكية التجارية تنتج سنويًا ما يقارب 1،5 مليون طن من النفايات، يُعاد تدوير أقل من 40% منها، وتؤدي إلى تلوث التربة بجسيمات بلاستيكية دقيقة، قد تجد طريقها إلى السلسلة الغذائية وتؤثر على صحة الإنسان والبيئة.
وبهدف اختبار فاعلية التقنية في الظروف الحقيقية، قام الفريق بزراعة الملفوف الصيني في مستنبتات صغيرة داخل أراضي المملكة، باستخدام الابتكار الجديد، حيث تفوقت النتائج بشكل لافت على الأنظمة التقليدية سواء من حيث الإنتاجية أو كفاءة استهلاك المياه والطاقة، وتُظهر هذه النتائج أن الجمع بين الغطاء النانوي والنشارة العضوية لا يوفر فقط حلاً بيئيًا مستدامًا، بل يمكنه أيضًا تحسين الأداء الزراعي بصورة ملموسة.
وفي خطوة مستقبلية، يخطط فريق البحث لتوسيع نطاق الدراسة لتشمل أنواعًا مختلفة من المحاصيل ومساحات أكبر من الأراضي الزراعية، وذلك ضمن إطار استراتيجية كاوست المستمرة لتعزيز الابتكار وتحقيق التنمية الزراعية المستدامة في المنطقة، ويأمل الباحثون أن تسهم هذه التقنية في دعم الخطط الوطنية لتعزيز الأمن الغذائي، وتقليل الاعتماد على الواردات، مع المحافظة على الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية.
هذا الابتكار لا يعكس فقط قوة البحث العلمي في المملكة، بل يؤكد أيضًا أن الحلول البيئية الذكية يمكن أن تكون رافعة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي في مواجهة التغيرات المناخية، وهو ما يجعل من كاوست منصة عالمية لإعادة صياغة مستقبل الزراعة في البيئات القاسية.