جوجل تطلق ميزة AI Mode وتعيد تشكيل الإنترنت

في تحول استراتيجي بارز يعكس ملامح مستقبل البحث على الإنترنت، أعلنت شركة جوجل عن إعادة تصميم شاملة لمحرك بحثها، مستندة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي، عبر ميزة جديدة أطلقت عليها "وضع الذكاء الاصطناعي" (AI Mode)، الإعلان جاء خلال مؤتمر Google I/O 2025، الحدث السنوي الأهم للمطورين، ليشكل لحظة فاصلة في تاريخ الشركة ومحركها الأشهر عالميًا، وسط سباق محتدم مع شركات الذكاء الاصطناعي الصاعدة مثل OpenAI وأنثروبيك.
الميزة الجديدة أصبحت متاحة ابتداءً من اليوم لجميع المستخدمين في الولايات المتحدة، سواء عبر محرك بحث جوجل أو من خلال متصفح كروم، وتتيح تجربة تفاعلية تستند إلى نمط الأسئلة والأجوبة، على غرار ما توفره روبوتات المحادثة الذكية، في قفزة تتجاوز الشكل التقليدي القائم على عرض الروابط النصية، وتخطط الشركة لتوسيع نطاق الخدمة لتشمل باقي دول العالم تدريجيًا خلال الأشهر المقبلة.
إقرأ ايضاً:سالم الدوسري يواصل رحلته الذهبية مع الهلال حتى 2027النفط يواصل التراجع وسط مخاوف الطلب.. وبرنت يستقر عند 64 دولارًا
ساندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت المالكة لجوجل، وصف التحديث بأنه "إعادة تصور كاملة لتجربة البحث"، مؤكدًا أن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في المنتجات الأساسية يمثل أولوية استراتيجية، ويبدو أن جوجل باتت تدرك أن مجرد تحسين نتائج البحث لم يعد كافيًا في ظل التغير السريع في توقعات المستخدمين وطبيعة المنافسة.
يعتمد الوضع الجديد على تطوير سابق أطلقته جوجل العام الماضي تحت اسم "مطالعات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي" (AI Overviews)، والتي كانت تقدم إجابات مختصرة ومباشرة عن الأسئلة الشائعة، ورغم الترحيب الأولي، كشفت تجارب المستخدمين أن هذه التقنية أدت إلى تراجع ملحوظ في معدلات النقر على الإعلانات، ما أثر على حركة الزيارات للمواقع الإلكترونية، وأثار حفيظة أصحاب المحتوى والمعلنين.
هذا الواقع يسلّط الضوء على مأزق جوجل الحالي: كيف يمكنها تطوير تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتفاعلية دون أن تقوّض نموذجها الربحي القائم على الإعلانات؟ خاصة وأن إيرادات البحث الإعلاني وحدها تجاوزت 50 مليار دولار في الربع الأول من عام 2025، وهو ما يزيد عن نصف إيرادات ألفابت الإجمالية، ورغم كل التحديثات، لا تزال الشركة تتجنب الإجابة الواضحة عن كيفية إدماج الإعلانات ضمن التجربة الجديدة.
وما يزيد من تعقيد الموقف، هو الانتقادات التي طالت جوجل بشأن بطئها النسبي في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي مقارنة بمنافسين جدد أكثر مرونة وجرأة، فبينما كانت جوجل من أوائل المطورين في هذا المجال، إلا أن شركات مثل OpenAI وأنثروبيك استثمرت بجرأة في تقديم منتجات ذات طابع محادثي وتفاعلي، لتحقق قفزات كبيرة في التقييم المالي والانتشار الجماهيري، ما شكل تهديدًا مباشرًا لهيمنة جوجل التقليدية.
ورغم هذه التحديات، لا تزال جوجل تحتفظ بوزن هائل في عالم البحث الرقمي، حيث تسجل أكثر من 8.5 مليارات عملية بحث يوميًا، ما يعكس استمرار اعتماد المستخدمين على خدماتها حتى في ظل الانتقادات والتحولات، هذا الزخم يمنحها فرصة لتجريب وتطوير الحلول الجديدة دون خسارة فورية لقاعدتها الواسعة من المستخدمين.
وفي ضوء هذا الإعلان، يبدو أن جوجل تسعى ليس فقط للحفاظ على موقعها، بل لإعادة تعريف البحث نفسه كعملية معرفية تفاعلية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بما يشبه ما كانت عليه ثورة الهواتف الذكية قبل عقد ونصف، غير أن نجاح هذا التحول سيعتمد على توازن دقيق بين التطوير التقني والحفاظ على مصادر الدخل، فضلًا عن كسب ثقة المستخدمين في دقة وحيادية الإجابات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي.