ثورة في الروبوتات: يد ذكية تعمل بأربعة أوضاع فقط

في إنجاز علمي لافت يمهد الطريق نحو جيل جديد من الروبوتات الذكية، نجح باحثون من المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في لوزان (EPFL) في تطوير يد روبوتية تتمتع بمرونة استثنائية تحاكي تلك التي تتمتع بها اليد البشرية، هذا الابتكار المسمى "ADAPT" يشكل قفزة نوعية في تصميم الروبوتات اللينة، بفضل قدرته على الإمساك بالأشياء بطريقة طبيعية دون الحاجة إلى بيانات دقيقة أو أنظمة تحكم معقدة، مما يعزز من فرص استخدامه في تطبيقات حياتية متنوعة، لا سيما تلك التي تتطلب تفاعلًا بشريًا دقيقًا.
اليد الروبوتية الجديدة ليست مجرد تجميع لمكونات ميكانيكية، بل هي نتاج مفهوم متقدم يُعرف باسم "الذكاء الميكانيكي الموزّع"، حيث تم توزيع المواد اللينة والنوابض بدقة ضمن هيكل اليد، ما يمنحها قدرة ذاتية على التكيّف مع أشكال وأحجام الأجسام المختلفة، هذه المقاربة تختلف جذريًا عن الأساليب التقليدية التي تعتمد على تحكم مركزي باستخدام محركات مخصصة لكل مفصل، وهو ما يجعل التصميم الجديد أكثر كفاءة ومرونة.
إقرأ ايضاً:الجيش الإسرائيلي يعلن إسقاط طائرة مسيّرة محملة بالأسلحة قادمة من مصرفجر دامٍ في غزة: إسرائيل تواصل قصف المدارس والمنازل والمخيمات
من خلال تجارب مكثفة، تمكنت يد ADAPT من التقاط 24 جسمًا مختلفًا باستخدام أربع حركات مبرمجة فقط، وبلغت نسبة نجاحها 93%، وهي نسبة مثيرة للإعجاب بالنظر إلى بساطة الأوامر التي توجه إليها، الأهم من ذلك أن القبضات التي شكلتها اليد جاءت مشابهة لتلك التي تنتجها اليد البشرية بنسبة بلغت 68%، وهو ما يمثل تقدمًا حقيقيًا في محاكاة السلوك البشري من خلال أنظمة آلية.
هذه النتائج اللافتة نُشرت في دورية Nature Communications Engineering، وأشارت إلى أن التصميم الذكي للمواد وسلوكها الديناميكي وحده قد يكون كافيًا لتأدية مهام معقدة، دون الحاجة إلى تدخل برمجي متكرر، وهذه الرؤية الجديدة تفتح الباب أمام حلول روبوتية أكثر بساطة وفاعلية، حيث تلعب الفيزياء دورًا حاسمًا يفوق البرمجة في بعض الحالات.
المهندس الشاب "كاي يونغ"، وهو طالب دكتوراه مشارك في المشروع، أوضح أن الإنسان لا يعتمد على حسابات دقيقة أثناء التفاعل مع الأشياء، بل على تفاعل مرن وغريزي بين اليد والجسم، هذا الفهم للطبيعة البشرية تم ترجمته إلى تصميم هندسي يسعى لمحاكاة ذلك الانسجام دون اللجوء إلى التعقيد الميكانيكي أو الإلكتروني الزائد.
على الرغم من أن يد ADAPT تحتوي على 12 محركًا فقط متمركزة في المعصم، إلا أنها تتحكم في 20 مفصلًا بفضل التوزيع الذكي للقوى والمواد داخل بنية اليد، وقد أظهرت الاختبارات أن هذه اليد تتفوق على النماذج الصلبة التقليدية في أكثر من 300 تجربة، مما يعزز من مكانتها كحل عملي للمهام التي تتطلب تعاملًا دقيقًا مع الأجسام.
هذا الإنجاز لا يعني فقط تطورًا في مجال الروبوتات، بل يشير أيضًا إلى إمكانية بناء أنظمة مرنة وفعالة تكون قادرة على التكيف مع البيئة المحيطة دون الحاجة إلى بيانات آنية أو تقنيات معقدة، وهو ما يجعل هذا النوع من الابتكار مرشحًا قويًا للاستخدام في الرعاية الصحية، والصناعات الخفيفة، وحتى في المنازل الذكية مستقبلاً.
في الوقت الحالي، يعمل فريق البحث على دمج المزيد من المستشعرات والقدرات التكيفية في اليد الروبوتية، على أمل تحويلها إلى أداة متعددة الاستخدامات قادرة على التعامل مع سيناريوهات واقعية تتطلب التفاعل مع عناصر غير متوقعة، وإذا ما نجحوا في ذلك، فإن يد ADAPT قد تصبح نموذجًا يحتذى به في تصميم الروبوتات المستقبلية التي تهدف إلى محاكاة الحس البشري لا من خلال الذكاء الصناعي فحسب، بل من خلال الهندسة الميكانيكية الذكية أيضًا.