الإنتاج في أميركا أم الهند؟ أبل في مرمى نيران ترامب

أبل في مرمى نيران ترامب
كتب بواسطة: صالح سدير | نشر في  twitter

في تصعيد جديد يعكس التوتر بين السياسات الأميركية وتوجهات كبرى الشركات التكنولوجية، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلباً مباشراً إلى شركة "أبل" يتضمن وقف بناء مصانع لإنتاج أجهزة آيفون في الهند، والتركيز بدلاً من ذلك على زيادة الإنتاج داخل الولايات المتحدة، التصريح جاء خلال لقائه بالرئيس التنفيذي للشركة، تيم كوك، في زيارة تمت هذا الأسبوع إلى قطر، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والتكنولوجية.

ترامب كشف خلال تصريحاته أنه ناقش مع كوك مسألة توسع "أبل" في السوق الهندية، معبراً عن اعتراضه الواضح على تصنيع الأجهزة المخصصة للولايات المتحدة هناك، وصرّح قائلاً: "كانت لدي مشكلة بسيطة مع تيم كوك أمس، إنه يبني في جميع أنحاء الهند، لا أريدك أن تبني في الهند"، وأشار إلى أن نتيجة هذه المحادثة ستتمثل في زيادة إنتاج "أبل" داخل الأراضي الأميركية، في محاولة لاسترضاء السياسات الاقتصادية التي يتبناها.


إقرأ ايضاً:لأول مرة: حماس تكشف اتصالات مباشرة مع إدارة ترامب بشأن غزةمن الأرصفة المظللة إلى "السكوتر الكهربائي": موسم حج مختلف في مكة

وتعد هذه التصريحات امتداداً لموقف ترامب المعروف تجاه الشركات الأميركية الكبرى، والذي يهدف إلى إعادة توطين التصنيع داخل الولايات المتحدة وتعزيز فرص العمل المحلية، إلا أن واقع سلاسل الإمداد والتكلفة يطرح عقبات كبيرة أمام تنفيذ هذا التوجه، فشركة "أبل" تعتمد بشكل أساسي على تصنيع هواتفها في الصين، بينما بدأت مؤخراً بتوسيع عملياتها في الهند، هرباً من التعقيدات التي فرضتها جائحة كورونا والتوترات المتزايدة بين بكين وواشنطن.

المحلل التقني تارون باثاك، مدير الأبحاث في شركة "كاونتربوينت"، يرى أن مطالب ترامب قد لا تكون واقعية على المدى القصير، وعلّق قائلاً: "ترامب يستخدم تكتيكاً معروفاً، يريد دفع أبل لبناء سلاسل توريد محلية، لكن هذا لن يحدث فجأة، فالتصنيع داخل الولايات المتحدة سيكون أكثر تكلفة بكثير من تجميع الأجهزة في الهند"، وأضاف أن توطين التصنيع بهذا الشكل سيستغرق سنوات، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل نقص المواهب الفنية والهندسية المطلوبة محلياً.

من جانب آخر، تأتي هذه التصريحات في وقت حساس لشركة "أبل"، حيث تشير التقارير إلى أنها أنتجت أكثر من 40 مليون وحدة آيفون في الهند خلال عام واحد فقط، ما يمثل نحو 20% من إنتاجها السنوي، في ظل دعم حكومي هندي متزايد لتوسيع الطاقة الإنتاجية، وشراكات استراتيجية مع شركات عملاقة مثل "فوكسكون" و"تاتا"، الأخيرة تعمل على إنشاء مصانع جديدة وتعزيز خطوط الإنتاج جنوب البلاد، ضمن خطة متكاملة لتحويل الهند إلى محور تصنيع عالمي للهواتف الذكية.

ومع ذلك، يبدو أن ترامب لا يعارض وجود مصانع "أبل" في الهند بالمطلق، بل يعارض استيراد منتجاتها من هناك للسوق الأميركية، فقد صرّح بوضوح: "يمكنكم التصنيع في الهند إذا أردتم، للهند"، هذه الإشارة تؤكد أن اعتراضاته تتعلق بالسيادة الاقتصادية الأميركية، وليس برفض الهند كشريك استثماري، كما أشار إلى وجود مفاوضات مع نيودلهي لإلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الأميركية، لافتاً إلى أن الهند تفرض واحدة من أعلى الحواجز التجارية في العالم.

في سياق متصل، أشار تقرير "بلومبرغ" إلى أن "أبل" جمعت هواتف آيفون بقيمة 22 مليار دولار في الهند خلال عام واحد فقط حتى مارس الماضي، وهو ما يمثل نمواً بنسبة 60% عن العام السابق، هذا النمو السريع يعكس ليس فقط إمكانيات السوق الهندي، بل أيضاً فعالية استراتيجيات الشركة في تنويع سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على الصين في ظل النزاعات السياسية والاقتصادية المحتدمة.

من الصعب تجاهل أن ما يحدث ليس مجرد خلاف اقتصادي أو قرار إنتاجي، بل صراع على النفوذ الصناعي بين قوى كبرى، ترامب يريد توطين الصناعة لإعادة مجد الاقتصاد الأميركي، بينما تسعى شركات التكنولوجيا الكبرى لتقليل التكاليف والتعامل بمرونة مع السوق العالمي.

وفي هذه المعادلة المعقدة، تبدو "أبل" مجبرة على التوفيق بين الضغوط السياسية الأميركية، ومتطلبات الإنتاج الحديثة، والتنافس الدولي المحموم.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook