من ثغرة المكالمات إلى قاعة المحكمة: كيف حسمت واتساب المعركة ضد عملاق التجسس الإسرائيلي؟

 واتساب ضد برنامج بيغاسوس
كتب بواسطة: سماء صالح | نشر في  twitter

في واحدة من أكثر المعارك القضائية إثارة في عالم التكنولوجيا، نجحت شركة "واتساب" التابعة لمجموعة "ميتا" في انتزاع حكم تاريخي ضد مجموعة NSO الإسرائيلية المتخصصة في برمجيات التجسس، بعد صراع قانوني امتد لأكثر من خمس سنوات، فقد قضت هيئة محلفين فيدرالية أميركية بتغريم NSO أكثر من 167 مليون دولار، تعويضًا عن الأضرار الناجمة عن استهداف مستخدمي واتساب ببرمجيات تجسس متطورة عبر ثغرة في خاصية المكالمات الصوتية، ما يُعرف بـ"هجوم النقرة الصفرية".

بدأت فصول القضية في أكتوبر عام 2019، حين رفعت واتساب دعوى قضائية ضد NSO بتهمة استغلال ثغرات أمنية للتجسس على أكثر من 1400 مستخدم حول العالم، دون أن يحتاج الضحايا إلى النقر أو التفاعل مع الرسائل الضارة، هذه الهجمات التي وُصفت حينها بأنها غير مسبوقة في الدقة والتخفي، فتحت بابًا واسعًا للنقاش حول خصوصية المستخدمين ومدى قدرة كبرى شركات التقنية على حماية بياناتهم.


إقرأ ايضاً:سعود عبدالحميد يشعل سوق الانتقالات عروض أوروبية تهدد بقاءه في روما!العد التنازلي بدأ ريلمي تكشف نيتها إطلاق "نيو 7" بإمكانات خارقة

وتبين خلال جلسات المحاكمة أن مجموعة NSO استمرت في تنفيذ عمليات التجسس حتى بعد رفع الدعوى القضائية، حيث استخدمت إصدارات مموهة من برنامجها الأشهر "بيغاسوس" بأسماء رمزية مثل "Eden" و"Heaven"، ما اعتبرته المحكمة دليلاً إضافيًا على الاستهتار بالأنظمة القانونية الدولية، المفارقة أن هذه الحملات استمرت حتى منتصف عام 2020، ما أثار الكثير من الأسئلة حول الرقابة على شركات تطوير برمجيات المراقبة.

شهادات مثيرة قُدمت خلال المحاكمة، أبرزها شهادة الرئيس التنفيذي لـ NSO، يارون شوحط، الذي أكد أن عملاء الشركة - وغالبيتهم حكومات - لا يعرفون كيف تتم عملية الاختراق تقنيًا، بل يحصلون فقط على النتائج الاستخباراتية المطلوبة، هذا الإقرار فتح الباب لتساؤلات جديدة عن المسؤولية الأخلاقية والقانونية لاستخدام أدوات كهذه في أعمال المراقبة، خاصة عندما تُستخدم ضد صحفيين ونشطاء وسياسيين.

وما زاد من إثارة القضية، هو الكشف عن اختبارٍ أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) شمل رقم هاتف أميركي باستخدام برنامج بيغاسوس، رغم تأكيدات سابقة من NSO بعدم استهداف أرقام الهواتف التي تحمل رمز الدولة +1، هذه المعلومة سلطت الضوء على مدى التداخل بين الأمن القومي والخصوصية، وكيف يمكن أن تتورط جهات رسمية في دعم تقنيات تجسس مثيرة للجدل.

في التفاصيل، أوضح محامي واتساب أن الهجوم لم يتطلب من الضحية سوى امتلاك رقم هاتف، حيث كانت تُرسل إليه مكالمة واتساب وهمية، يتم من خلالها زرع برامج خبيثة في الجهاز دون أي تفاعل، بمجرد إصابة الهاتف، تتصل البرمجية بخادم خارجي وتقوم بتحميل برنامج بيغاسوس، ما يتيح للمهاجمين السيطرة الكاملة على الجهاز.

ومن المفارقات اللافتة أن مقر NSO يقع في المبنى ذاته الذي تشغله شركة أبل في مدينة هرتسليا الإسرائيلية، بالرغم من أن أجهزة آيفون كانت ضمن أكثر الأهداف استهدافًا ببرمجيات بيغاسوس، ما أثار العديد من علامات الاستفهام حول بيئة العمل المشتركة وتداعياتها على الأمن السيبراني.

لكن في خضم هذه الضجة، تكشف الوثائق الرسمية أن NSO تمر بأزمة مالية خانقة، حيث بلغت خسائرها 9 ملايين دولار في عام 2023، و12 مليونًا في 2024، بينما تتجاوز نفقاتها الشهرية 10 ملايين دولار، معظمها تُصرف كرواتب، الشركة التي لم يتبقَ في خزينتها سوى 5،1 مليون دولار، لا تزال تتقاضى ما بين 3 إلى 30 مليون دولار من الحكومات لاستخدام بيغاسوس، ما يعكس حجم التناقض بين عائداتها المالية وأزمتها التشغيلية.

ورغم أن الحكم القضائي شكّل ضربة قاصمة لـ NSO، فإن الأثر الأوسع قد يكون في تداعياته على صناعة الأمن السيبراني ككل، وعلى مستقبل برامج التجسس التي تزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، كما يُتوقع أن يفتح هذا الحكم الباب أمام دعاوى مماثلة قد تُرفع من ضحايا جدد في مناطق مختلفة من العالم، مما يزيد الضغط الدولي على الشركات التي تطور أدوات مراقبة خارج الأطر القانونية.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook