ترامب يفاجئ العالم برفع العقوبات عن سوريا بطلب من محمد بن سلمان: بداية جديدة أم مناورة سياسية؟

ترامب يفاجئ العالم برفع العقوبات عن سوريا بطلب من محمد بن سلمان.
كتب بواسطة: محمد جمال | نشر في  twitter

في خطوة مفاجئة أثارت تساؤلات الأوساط السياسية والإعلامية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، من العاصمة السعودية الرياض، قراره برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك استجابة لطلب مباشر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والقرار الذي وصفه مراقبون بـ"المنعطف الحاد في السياسة الأميركية تجاه دمشق"، يأتي في وقت حساس يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات متسارعة، ومحاولات لإعادة تشكيل التحالفات والسياسات.

وقال ترامب، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع ولي العهد السعودي، إن رفع العقوبات "جاء لمنح الشعب السوري فرصة جديدة"، مشيرًا إلى أنه أجرى مناقشات مطولة مع الأمير محمد بن سلمان حول هذا الملف، وتوصل إلى قناعة بأن الوقت قد حان لاتخاذ خطوة "تشجع السوريين على إعادة بناء بلدهم والانخراط في المجتمع الدولي من جديد".


إقرأ ايضاً:بذكاء سعودي وتقنيات متقدمة: "سدايا" تسرّع إجراءات الحجاج بمطار أنقرة ضمن "مبادرة طريق مكة"حجاج بنجلاديش يروون تجربتهم مع "طريق مكة": خدمة تفوق التوقعات

ووجّه الرئيس الأميركي حديثه إلى السوريين قائلًا: "اجعلونا نرى شيئًا خاصًا من أجل مستقبلكم، لقد قمنا بالخطوة الأولى"، مضيفًا أن بلاده تأمل بأن تكون هذه المبادرة بداية لتطبيع تدريجي للعلاقات مع سوريا، التي "شهدت الكثير من البؤس"، على حد تعبيره.

وفي تطور لاحق للقرار، أعلن ترامب أن وزير الخارجية الأميركي، مارك روبيو، سيلتقي قريباً نظيره السوري، في ما وصفه بـ"لقاء تاريخي" يهدف إلى تمهيد الطريق أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين واشنطن ودمشق، ويأتي هذا اللقاء المنتظر في ظل تغييرات سياسية في سوريا، حيث أُعلن عن تشكيل حكومة جديدة عقب الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد.

وبحسب مصادر إعلامية، فإن الحكومة السورية الجديدة تحظى بدعم دولي غير مباشر، وسط آمال بأن تتمكن من فرض الاستقرار، وتحقيق اختراقات في ملفات شائكة، أبرزها ملف إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، ومكافحة الإرهاب.

وفي تعليق على الموقف الأميركي، أكد المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، أن الرئيس ترامب جادّ في قراره، مشيراً إلى أن إعلان القرار من الرياض أمام وسائل الإعلام، دليل على التزام الإدارة الأميركية بالتحرك نحو تغيير جذري في طريقة تعاملها مع الملف السوري.

وأضاف وربيرغ، في مقابلة مع قناة "العربية/الحدث"، أن الإدارة الأميركية تراقب "الخطوات الملموسة" التي تتخذها القيادة السورية الجديدة، وأن هناك مؤشرات إيجابية تدعو إلى التفاؤل، خصوصاً مع وجود رغبة واضحة لدى الشعب السوري بالخروج من عزلته، والعمل على بناء علاقات جديدة مع الغرب، بعيداً عن النفوذ الإيراني.

وأوضح أن واشنطن تعتبر أن المرحلة الحالية تتيح "فرصة تاريخية" أمام السوريين للاستفادة من الدعم الدولي، بشرط التزامهم بمسار إصلاحي يشمل حماية حقوق الإنسان، ومحاربة التطرف، وضمان تمثيل عادل لكافة مكونات الشعب السوري.

ومنذ اندلاع النزاع السوري في عام 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جملة من العقوبات المشددة على مؤسسات وشخصيات بارزة في النظام السوري، شملت قطاعات حيوية مثل النفط، والطاقة، والمصارف، والصحة، وظلت تلك العقوبات تمثل أحد أبرز العوائق أمام تعافي الاقتصاد السوري، كما أدت إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين، وعرقلت جهود إعادة الإعمار.

ومع تشكيل الحكومة الجديدة في دمشق، سارعت السلطات إلى توجيه دعوات للمجتمع الدولي، تطالبه برفع العقوبات كشرط أساسي لبدء مرحلة جديدة من الاستقرار، واعتبرت تلك السلطات أن العقوبات لا تخدم سوى "الإبقاء على معاناة الشعب"، كما أنها تعيق التعاون مع المنظمات الدولية في الملفات الإنسانية والاقتصادية.

وتواجه سوريا تحديات اقتصادية جسيمة، فبحسب تقديرات صادرة عن الأمم المتحدة في فبراير الماضي، فإن سوريا لن تتمكن، في ظل معدلات النمو الحالية، من استعادة مستوى الناتج المحلي الإجمالي لما قبل عام 2011، قبل حلول عام 2080، وهو ما يعكس حجم التدمير الهائل الذي لحق بالبنية التحتية، وخسائر القطاعات الإنتاجية، وتدهور قيمة العملة المحلية.

وكانت بعض الدول قد بدأت بتخفيف العقوبات بشكل جزئي، مع رهن اتخاذ خطوات أكبر بمدى التزام الحكومة الجديدة في سوريا بمعايير محددة، تتعلق بمكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان، ووقف الانتهاكات بحق المدنيين، ويُنظر إلى القرار الأميركي الأخير على أنه "اختبار سياسي" للمسار الذي ستتبعه دمشق في المرحلة المقبلة.

ويأتي تحرك ولي العهد السعودي في إطار سياسة جديدة تنتهجها المملكة لإعادة التموضع إقليمياً، من خلال بناء الجسور مع الدول التي كانت في وقت سابق خارج دوائر التعاون، ويبدو أن السعودية، التي تلعب اليوم دورًا قياديًا في عدد من الملفات الإقليمية، ترى في سوريا فرصة لتوسيع نفوذها وتعزيز استقرار المنطقة، خاصة في ظل تراجع أدوار بعض القوى التقليدية.

وفي ظل التغيرات المتسارعة، يبقى السؤال المطروح هو: هل يشكّل رفع العقوبات خطوة أولى نحو عودة سوريا إلى الساحة الدولية، أم أن الطريق لا يزال طويلاً ومليئًا بالعقبات؟ وهل يمكن للقرار الأميركي، المدفوع بطلب سعودي، أن يصمد أمام تعقيدات الداخل السوري والتجاذبات الدولية؟

وتبقى الإجابة معلّقة على أداء الحكومة السورية الجديدة، ومدى قدرتها على التفاعل بواقعية مع التحديات، وبناء جسور الثقة مع المجتمع الدولي، وفي الأثناء، يراقب السوريون والعالم باهتمام ما إذا كانت هذه المبادرة السياسية ستفضي فعلاً إلى نهاية حقبة العزلة، وبدء مرحلة من التعافي والمصالحة. 

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook