"على ظهور الخيل" ثلاثة مسلمون إسبان يحيون طريق حج تاريخي لم يُسلك منذ 500 عام

مسلمون إسبان
كتب بواسطة: فواز حمدي | نشر في  twitter

في قصة تُلهم الروح وتُحاكي بطولات الماضي، قطع ثلاثة مسلمون إسبان رحلة استثنائية على ظهور الخيل، امتدت لمسافة تجاوزت 8,000 كيلومتر، انطلقوا من جنوب إسبانيا وصولاً إلى مكة المكرمة، وذلك لإحياء طريق حج تاريخي لم يُسلك منذ أكثر من 500 عام، هذه المغامرة الشجاعة لم تكن مجرد رحلة، بل كانت استعادة لتراث عريق، وتأكيداً على العزيمة والإيمان الذي يدفع النفوس لتجاوز المستحيل.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في 6 يونيو 2025، فإن الحجاج الثلاثة، وهم عبد القادر حركاسي عيدي، طارق رودريغيز، وعبد الله رافاييل هيرنانديز مانتشا، بدأوا رحلتهم الملحمية في أكتوبر الماضي، من منطقة الأندلس التاريخية في إسبانيا، هذه المنطقة التي شهدت ذات يوم حضارة إسلامية عريقة، كانت نقطة الانطلاق لرحلة عبور عشر دول أوروبية وآسيوية، وهذا المسار المتعرج شمل فرنسا، إيطاليا، سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة، صربيا، بلغاريا، تركيا، سوريا، والأردن، قبل أن تطأ أقدامهم، وخيولهم، أرض المملكة العربية السعودية المقدسة في مايو، ليتوجوا رحلة استمرت قرابة سبعة أشهر من التحدي والصبر.


إقرأ ايضاً:الصفقة تشتعل: موافقة أوسيمين تشعل نار الهلال ونيران نابولي!بالأمن والتقنية.. المملكة تبرهن على قدرتها في إدارة الحشود

خلال هذه الرحلة الشاقة، واجه هؤلاء الحجاج تحديات متعددة، لم تقتصر على وعورة التضاريس وتقلبات الطقس، بل امتدت لتشمل مخاطر غير متوقعة، ففي إحدى الفصول المليئة بالتوتر، فقدوا خيولهم في منطقة ألغام بالبوسنة، وهو موقف كاد أن يتحول إلى كارثة، إلا أن الحيوانات، بقدرة الله، خرجت سالمة من هذه المنطقة الخطرة، مما أثار دهشتهم وامتنانهم، كما استرشدوا في جزء من رحلتهم بسكة حديد عثمانية قديمة، تلك السكة التي كانت تربط إسطنبول بالحجاز في زمن الإمبراطورية العثمانية، وساروا بمحاذاتها لأيام، مستلهمين من التاريخ العظيم الذي مر من هنا.

عند وصولهم إلى مكة المكرمة، المدينة التي تتوق إليها قلوب المسلمين من كل بقاع الأرض، وصف حركاسي عيدي اللحظة بأنها "عاطفية للغاية"، كلمات تفيض بالمشاعر الجياشة، وتُلخص سنوات من الحلم، وشهوراً من الجهد والعناء، مضيفاً: "كنا أمام الكعبة وتمكّنا من لمسها، لذلك أصبحت تلك الـ8,000 كيلومتر وكأنها لا شيء"، هذه الكلمات تُبرز السمو الروحي للوصول إلى بيت الله الحرام، وكيف أن عظمة الشعيرة تُنسي المرء كل مشقة وتعب.

وأشار الحجاج الثلاثة إلى أن الدعم الإنساني الذي تلقوه خلال الرحلة كان الأهم والأكثر تأثيراً في مسيرتهم، فقد قدم لهم الناس، على طول الطريق، المساعدة بالطعام والمال، وأصلحوا لهم سيارة الدعم التي كانت تُرافقهم في بعض الأحيان، هذا التضامن العفوي وغير المشروط من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، يُعكس روح الوحدة والإخاء التي تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، ويُؤكد على أن قيم الإنسانية والتكافل لا تزال راسخة في نفوس البشر.

تُعد هذه الرحلة، بكل تفاصيلها وتحدياتها، إحياءً لتقليد قديم للحجاج الأندلسيين، الذين كانوا يُقطعون مسافات شاسعة لأداء فريضة الحج، تُعيد للأذهان عصوراً مضت كانت فيها الرحلات تستغرق شهوراً أو حتى سنوات، وتُذكر الأجيال الحالية بعزيمة الأوائل وإصرارهم، وهي أيضاً تعكس روح التضامن والوحدة بين المسلمين حول العالم، فالدعم الذي تلقوه من الشعوب التي مروا بها يُثبت أن الإيمان يجمع القلوب، وأن الكعبة المشرفة تبقى هي البوصلة التي تُوجه ملايين المسلمين، وتُشكل نقطة التقاء روحانية تُذيب الفوارق وتُعزز من روابط الأخوة الإنسانية.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook