خطة استثنائية ويقظة ميدانية: الدفاع المدني السعودي يرسّخ الأمن والسلامة في عرفة
شهد مشعر عرفة اليوم الخميس، تفعيلًا شاملاً لخطة الطوارئ الخاصة بقوات الدفاع المدني، وذلك في واحدة من أضخم العمليات الميدانية التي يشهدها موسم الحج سنويًا، حيث استنفرت المملكة كامل قدراتها لتأمين سلامة حجاج بيت الله الحرام خلال يوم عرفة، الذي يُعدّ ذروة أعمال الحج وأكثرها حساسية من حيث الكثافة البشرية والحركة الميدانية.
وقد انتشرت فرق الدفاع المدني منذ ساعات الصباح الباكر في كافة أرجاء المشعر، شاملة مسجد نمرة وساحاته، جبل الرحمة، ومناطق التخييم المحيطة، في إطار خطة محكمة توازن بين التدخل السريع في الحالات الطارئة والعمل الاستباقي الوقائي، مستندة إلى قاعدة بشرية وتقنية ضخمة، تم إعدادها مسبقًا استعدادًا لهذا اليوم الاستثنائي.
إقرأ ايضاً:"على ظهور الخيل" ثلاثة مسلمون إسبان يحيون طريق حج تاريخي لم يُسلك منذ 500 عامهيرفي رينارد يُشعل الأجواء بتصريحات قوية بعد فوز المنتخب السعودي على البحرين في تصفيات كأس العالم
وقد برزت ملامح الخطة الميدانية هذا العام بتكامل واضح بين العناصر البشرية والآليات المتطورة، حيث تم توزيع مئات الفرق المجهزة بمعدات الإنقاذ والإطفاء والتدخل السريع، كما تم تفعيل غرف القيادة والسيطرة لمتابعة الأوضاع الميدانية على مدار الساعة عبر أنظمة رصد حديثة تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتحليلات المكانية الفورية.
وقد أكدت مديرية الدفاع المدني أن هذه الإجراءات تأتي ضمن إطار تكاملي واسع يشمل مختلف الجهات المعنية بخدمة الحجاج، بما فيها وزارة الصحة، الأمن العام، هيئة الهلال الأحمر، والهيئات المساندة، مما يرسّخ مفهوم الإدارة الموحدة للطوارئ، ويرفع من كفاءة التدخل السريع في حال وقوع أي حادث عرضي قد يؤثر على سير الشعائر.
وفي خطوة لافتة، شارك المئات من المتطوعين والمتطوعات في دعم مهام الدفاع المدني ضمن البرنامج التنفيذي للعمل التطوعي بالحج، حيث تم توزيعهم على نقاط تمركز رئيسية في مسجد نمرة، جبل الرحمة، والممرات الحيوية، وذلك بعد خضوعهم لتدريبات مكثفة شملت الإسعافات الأولية، التوجيه الميداني، وإجراءات الإخلاء الآمن.
وقد أسهم هؤلاء المتطوعون في تعزيز جهود التوعية بين الحجاج، لا سيما ما يتعلق بالسلامة الحرارية، تجنّب الازدحام، والإرشادات الوقائية، وهو ما يعكس روح العمل الجماعي الذي يجمع بين الأداء الرسمي والمجتمعي في آن واحد.
وتؤكد هذه المشاركة أن العنصر التطوعي بات جزءًا لا يتجزأ من بنية العمل التنظيمي في الحج، بما يعزز من استدامة الجهود ويغرس روح الانتماء والمسؤولية في نفوس الشباب السعودي.
كما لم تغفل الخطة عن التعامل مع الظروف المناخية القاسية التي قد تطرأ في هذا اليوم، إذ وفّرت مراكز الدفاع المدني وحدات متنقلة للرذاذ المائي، وفرقًا خاصة للاستجابة لحالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس، في ظل درجات حرارة قاربت الـ45 درجة مئوية منتصف النهار.
وقد تم توزيع نقاط تبريد متنقلة في محيط جبل الرحمة، إلى جانب التنسيق مع الجهات الصحية لنقل الحالات الطارئة عبر مركبات إسعاف مجهزة وفرق راجلة مدربة، كما أُقيمت مظلات ضخمة ونقاط ظل واسعة في المواقع المفتوحة لتخفيف التأثير الحراري، فيما رصدت وحدات الرصد البيئي مؤشرات جودة الهواء لتفادي أي تأثيرات على الحجاج المصابين بأمراض تنفسية مزمنة.
وقد أشادت العديد من البعثات الرسمية للحجاج بمستوى التنظيم والجاهزية، حيث عبّر مسؤولون من بعثات الحجيج في إندونيسيا، مصر، وتركيا، عن إعجابهم بالإدارة السعودية المحكمة للمشهد الميداني في يوم عرفة، مشيرين إلى أن الإجراءات الاحترازية، ودقة توزيع الفرق، وسرعة الاستجابة، تؤكد أن المملكة باتت تمتلك نموذجًا عالميًا في إدارة الحشود، يجمع بين المرونة والمهنية العالية.
كما نوهت التصريحات إلى أن تعاون الحجاج مع التوجيهات والتعليمات الصادرة من الدفاع المدني سهّل كثيرًا من الحركة والتنقل داخل المشعر، وخفّف من الضغط على النقاط الحيوية، وهو ما ساهم في الحفاظ على انسيابية المشهد بشكل لافت.
ومع اقتراب مغيب شمس يوم عرفة، تكون المملكة قد وضعت بصمتها مجددًا على نجاح يوم يُعدّ من أعظم أيام الإسلام، سواء من حيث أمانه التنظيمي أو سكينته الروحية، حيث برز دور الدفاع المدني كضمانة محورية لحماية الأرواح، وحفظ النظام، وتيسير شعائر الركن الخامس من أركان الدين.
ويُتوقّع أن تنتقل فرق الطوارئ تدريجيًا خلال الساعات المقبلة إلى مشعر مزدلفة استعدادًا للمرحلة التالية من خطة الحج، في مشهد يستمر على مدار أيام التشريق، ويبرهن هذا الأداء المتقن أن المملكة، من خلال قوات الدفاع المدني وكافة القطاعات المشاركة، قد رسّخت مكانتها العالمية في إدارة الحشود، ووظّفت خبرتها العميقة في خدمة ضيوف الرحمن، وتقديم تجربة حج آمنة، ميسّرة، وإنسانية في أدق تفاصيلها.