الهواتف الاقتصادية تتراجع في أوروبا وسط صعود "أبل" و"سامسونغ"

في ظل تطورات سوق الهواتف الذكية في أوروبا، كشف تقرير حديث صادر عن شركة "كاناليس" للربع الأول من عام 2025 عن تراجع طفيف في إجمالي المبيعات، مع تحولات ملحوظة في توجهات المستهلكين نحو الفئة الرائدة من الأجهزة، فقد انخفض إجمالي الشحنات بنسبة 2% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، حيث تم بيع 32،4 مليون وحدة مقابل 33،1 مليون وحدة في الربع الأول من عام 2024، إلا أن اللافت في التقرير ليس فقط التراجع العام، بل التغييرات البنيوية التي تعكس تحولات أعمق في السوق.
رغم الانخفاض الإجمالي، يشير التقرير إلى أن حوالي 32% من الأجهزة المُباعة في أوروبا خلال هذه الفترة كانت من الفئة الفاخرة، أي تلك التي يتجاوز سعرها 800 يورو، هذا الرقم يمثل تحولا استراتيجياً في سلوك المستهلك الأوروبي الذي بات يميل نحو اقتناء هواتف ذات أداء عالٍ وتقنيات متقدمة، حتى إن كلفتها كانت مرتفعة نسبياً، وتُعتبر هذه القفزة دلالة واضحة على بروز شريحة من المستخدمين باتت تبحث عن الجودة والمزايا التقنية المتقدمة أكثر من السعر المنخفض.
إقرأ ايضاً:استعدوا ليوم السبت عواصف ترابية تضرب عدة مناطق وتحذيرات عاجلة!الهيئة الملكية تنجز 75% من مشروع الخيام ذات الطابقين لخدمة 8000 حاج
في هذا السياق، واصلت شركتا "أبل" و"سامسونغ" الاستفادة من هذا التحول، حيث احتلت الأولى المركز الثاني في السوق الأوروبية بحصة بلغت 22%، محققة زيادة سنوية في المبيعات بنسبة 10%، أما "سامسونغ"، فبالرغم من نمو محدود لا يتجاوز 1%، فإنها لا تزال تتصدر المشهد الأوروبي بحصة سوقية بلغت 37%، وتمكنت من تحقيق أعلى متوسط سعر بيع في تاريخها بالقارة.
وتعكس هذه الأرقام أداءً مميزًا من الشركتين الأمريكيتين والكوريتين في فئة الأجهزة المتقدمة، إذ استفادتا من انحسار المنافسة في الشرائح السعرية الدنيا، ومن قدرة كل منهما على تطوير أجهزة تلبي توقعات المستخدمين من حيث الأداء والكاميرا والاتصال والذكاء الاصطناعي، فضلًا عن بناء ولاء طويل الأمد للعلامة التجارية.
في المقابل، سجلت "شاومي" الصينية نتائج متواضعة نوعاً ما، رغم احتفاظها بالمركز الثالث بحصة سوقية بلغت 16%، إلا أن الشركة واجهت تراجعاً بنسبة 2% في مبيعاتها، مدفوعًا بضعف الطلب على الهواتف الاقتصادية، وهو ما يُبرز التحديات التي تواجهها العلامات التجارية التي تركز على الشريحة السعرية المنخفضة في السوق الأوروبي.
من جهة أخرى، برزت شركتا "موتورولا" و"غوغل" ضمن قائمة الخمسة الأوائل، حيث سجلت "غوغل" على وجه الخصوص أداءً استثنائيًا، بدخولها للمرة الأولى إلى هذا الترتيب في أوروبا، فقد شحنت 0،9 مليون وحدة خلال هذا الربع، محققة نسبة نمو لافتة بلغت 43%، ما يشير إلى اتساع الاهتمام بهواتف "بيكسل" التي تقدم تجربة أندرويد خالصة ومزايا تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتحسينات البرمجية المستمرة.
ومع استمرار الأداء القوي للهواتف الرائدة، يرى المحللون أن الاتجاه نحو هذه الفئة سيزداد وضوحًا خلال الفترات المقبلة، مدفوعًا بالابتكارات التقنية والرغبة في أجهزة موثوقة على المدى الطويل، إلا أن هذا التوجه سيطرح تحديات جدية على الشركات التي تعتمد على الفئة الاقتصادية، لا سيما في ظل البيئة التنظيمية الأوروبية المشددة.
فعلى الصعيد التنظيمي، تواصل السياسات الأوروبية في مجالات مثل التصميم البيئي وتوجيهات البطاريات التأثير على السوق، حيث تُجبر الشركات على الالتزام بمعايير صارمة ترفع من تكاليف الإنتاج، وهو ما يصعّب على الأجهزة منخفضة التكلفة التنافس بجودة مقبولة وسعر مربح في آن واحد، هذه البيئة التنظيمية، رغم أنها تهدف إلى تعزيز الاستدامة والشفافية، إلا أنها تخلق عوائق حقيقية أمام العلامات التجارية الأصغر أو الأقل قدرة على التكيف.
في المحصلة، يبدو أن سوق الهواتف الذكية في أوروبا يتجه نحو هيمنة أكثر تركيزًا من قبل اللاعبين الكبار في الفئة الرائدة، في حين تتضاءل فرص المنافسة في الفئات الدنيا، وإذا استمر المستهلك الأوروبي في تفضيل الجودة على السعر، فإن المستقبل سيحمل المزيد من المكاسب لـ"سامسونغ" و"أبل"، ويضع العلامات الأخرى أمام ضرورة إعادة النظر في استراتيجياتها وخياراتها الإنتاجية.