الحرب التكنولوجية تتجدد: الصين تحذر من التعاون مع العقوبات الأميركية

بالرغم من نبرة الهدوء التي سادت اللقاءات الأخيرة بين مسؤولين صينيين وأميركيين، فإن قرار وزارة التجارة الصينية بتوجيه تحذير قانوني لأي جهة تمتثل لقيود واشنطن على شركة هواوي يعيد إشعال فتيل التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، بكين، التي تسعى إلى الحفاظ على مسار الحوار مع واشنطن، اتخذت هذه الخطوة في لحظة حرجة، وسط مؤشرات على انفتاح دبلوماسي متبادل، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مستقبل هذا التقارب في ظل استمرار التوتر حول تكنولوجيا أشباه الموصلات.
البيان الصيني الصادر يوم الأربعاء لم يأتِ مجرّد موقف دبلوماسي، بل تضمّن إشارة قانونية واضحة إلى أن التعاون مع القيود الأميركية يمكن اعتباره انتهاكاً لقانون مكافحة العقوبات الأجنبية الذي تبنّته الصين في السنوات الأخيرة كرد على سياسات الضغط الغربية، هذا التحذير غير المسبوق لا يستهدف واشنطن وحدها، بل يُعد رسالة أيضاً إلى الحلفاء الذين يتعاملون مع هواوي أو يشاركون في سلاسل التوريد العالمية المتصلة بها، في تلميح صريح بأن للصين أدواتها للرد.
إقرأ ايضاً:ضربة قوية لتجار السموم: إحباط تهريب 240 ألف حبة إمفيتامين بالمملكة العربية السعودية!تنبيهات جوية: رياح نشطة وأتربة تحدّ الرؤية في 7 مناطق سعودية
وكانت وزارة التجارة الأميركية قد جددت موقفها المتشدد تجاه شركة هواوي، محذّرة من أن استخدام رقائق الشركة الصينية، حتى خارج الأراضي الأميركية، يمثل خرقاً لضوابط التصدير المفروضة بموجب قوانين الولايات المتحدة، ورغم تراجع الوزارة لاحقاً عن صيغة التهديد الجغرافي المباشر، فإن التصريحات أثارت قلقاً واسعاً بين شركات التقنية العالمية، وأعادت للأذهان سياسات إدارة ترامب التي فرضت الحظر الشامل على هواوي باعتبارها تهديداً للأمن القومي.
الصين اعتبرت أن هذه التصريحات تقوض نتائج المحادثات الأخيرة التي جرت في جنيف، والتي كان يُنظر إليها على أنها محاولة لكسر الجمود وإعادة ترتيب العلاقة التجارية بين البلدين، وبحسب ما نقلته وكالة "بلومبرغ"، فإن بكين ترى في التمسك بهذه القيود نوعاً من الاستفزاز الذي لا يتماشى مع روح الحوار التي تبنّاها الطرفان خلال الأسابيع الماضية.
ورغم هذه الأجواء المتوترة، لا تزال هناك قنوات اتصال مفتوحة، حيث أشار وو شينبو، مدير مركز الدراسات الأميركية في جامعة فودان بشنغهاي، إلى أن التعديلات التي طرأت مؤخراً على الخطاب الأميركي توحي باستمرار التواصل الفني بين الجانبين، إلا أن وو حذّر من أن الزخم الذي تحقق في محادثات جنيف هش للغاية، وأن أي تصعيد جديد قد يبدده، وأضاف: "ثمة أمل بعقد محادثات رفيعة المستوى الشهر المقبل، لكن لا يمكن اعتبار ذلك أمراً مضموناً".
وعلى مستوى العلاقات الدبلوماسية، حمل اليوم ذاته رسائل مزدوجة، إذ التقى نائب وزير الخارجية الصيني، ما تشاو شو، بالسفير الأميركي الجديد لدى بكين، ديفيد بيرديو، مشيراً إلى رغبة بلاده في تعزيز التعاون المشترك مع الولايات المتحدة، وفي لقاء آخر، اجتمع محافظ بنك الشعب الصيني، بان قونغ شنغ، مع وزير الخزانة الأميركي الأسبق تيموثي غايتنر، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة شركة "واربورغ بينكوس"، في مؤشر على استمرار التنسيق الاقتصادي ولو على مستوى غير رسمي.
كما استقبل وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الرئيسة التنفيذية لجمعية آسيا، كيونغ-هوا كانغ، مؤكداً أهمية إيجاد "صيغة للتعايش الإيجابي" بين البلدين، تبدأ من تعزيز التعاون الإقليمي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي رسالة توحي بأن الصين لا تزال متمسكة بخيار التهدئة عبر الدبلوماسية، رغم تصاعد الضغوط.
وتُعد قضية هواوي اليوم حجر زاوية في الحرب التكنولوجية العالمية، إذ تتجاوز أبعادها المنافسة التجارية لتصبح رمزاً لصراع النفوذ الجيوسياسي، حيث تسعى واشنطن للحد من صعود الصين في قطاع التكنولوجيا المتقدمة، بينما تعتبر بكين هذه الإجراءات جزءاً من استراتيجية تطويق تهدد حقها في التنمية، لذلك، فإن أي تصعيد في ملف هواوي لا يهدد فقط العلاقات الثنائية، بل يمتد أثره إلى الأسواق العالمية والشركات متعددة الجنسيات.
وسط هذه الخلفية المعقدة، تظل الآمال معلقة على قدرة الطرفين على فصل الملفات الخلافية، واحتواء التصعيد القانوني والسياسي، بما يتيح الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في العلاقات الدولية، فالعالم لا يتحمل اندلاع مواجهة شاملة بين القوتين، خاصة في وقت يواجه فيه تحديات اقتصادية وجيوسياسية متزايدة.