رسالة غامضة تهدد رحلة سعودية تقل حجاجًا .. وهبوط اضطراري يكشف المستور

في تطور أثار القلق على الصعيدين الأمني والديني، أعلنت السلطات الإندونيسية عن تفاصيل رسالة تهديد وصلت إلى بريدها الإلكتروني، موجهة لطائرة تابعة للخطوط الجوية السعودية كانت تقل حجاجًا إندونيسيين من جدة إلى مطار سوكارنو هاتا في جاكرتا، حيث أجبرت الرحلة على تنفيذ هبوط اضطراري في مطار كوالانامو شمال سومطرة، بعد تلقي إنذار بوجود قنبلة على متنها.
وكشف تشاندرا سوليستيونو، وهو مسؤول بارز في الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب بإندونيسيا، أن الرسالة أرسلت في السابعة والنصف صباحًا بتوقيت جاكرتا من شخص مجهول يحمل الحروف الأولى (APM)، وأشار إلى أن التهديد استهدف الرحلة رقم SV-5276 التابعة للخطوط الجوية السعودية، والتي كانت تقل 442 حاجًا ضمن الدفعة الثانية عشرة المغادرة من جاكرتا-بيكاسي.
إقرأ ايضاً:"الاتحاد الآسيوي يفاجئ الهلال".. عقوبات مالية قاسية تضرب "الزعيم" قبل نهائي دوري النخبة!الانقلاب الصيفي يبدأ غدا.. والحصيني يؤكد المملكة تدخل "الفرن الفلكي"
وأوضح المسؤول أن الرسالة، التي تم تلقيها عبر البريد الإلكتروني، احتوت على تهديدات صريحة باستخدام عبوات ناسفة محلية الصنع، في خطوة أثارت حالة استنفار فورية بين الأجهزة الأمنية الإندونيسية، خصوصًا مع تزامن الحادث مع موسم الحج، مما ضاعف من حساسية الموقف وتعقيداته.
وأكدت السلطات أنه جرى التعامل مع الحادث وفق البروتوكولات المتبعة في مثل هذه الحالات، حيث تم تحويل مسار الطائرة من مسارها الأساسي إلى مطار كوالانامو لإجراء فحوص أمنية شاملة للطائرة والركاب والحقائب، دون العثور على أية متفجرات أو دلائل مادية تؤكد التهديد.
وبحسب ما أفاد به المفتش العام ويسنو هيرماوان، قائد شرطة إقليم سومطرة الشمالية، فقد احتوت الرسالة على إشارات واضحة إلى نوايا إرهابية مدفوعة بأيديولوجيات متطرفة، حيث استخدم مرسل الرسالة تعبيرات رمزية تتعلق بهويات دينية وأحداث تاريخية محددة، من بينها ذكرى إعدام شخص يُدعى أجمل قصاب بهائي واحتجاز آخر يُدعى سافوكو شانكار.
وأشار المسؤول الأمني إلى أن الرسالة تطرقت لتقنيات دقيقة مثل استخدام أجهزة تعريف الهوية RFID ومقذوفات مشكلة انفجاريًا (EFPs)، مما دفع الجهات المختصة إلى فتح تحقيق معمق في مضمون الرسالة وتحليلها بالتعاون مع وحدات تقنية متخصصة، إلى جانب تنسيق الجهود مع السلطات السعودية نظرًا لتبعيتها للخطوط الجوية السعودية.
وفيما تتواصل التحقيقات للكشف عن ملابسات التهديد وهوية مرسله، صرّحت الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب أن المشتبه به الرئيس في القضية هو موظف إداري من الجنسية الهندية، وله خلفية معقدة تتعلق باحتجازه سابقًا على يد جماعة مسلحة في الهند عام 2012، وهو ما يفتح الباب لاحتمالات متعددة حول دوافعه النفسية والأيديولوجية.
وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الدوافع قد تكون انتقامية أو قائمة على خلفية سياسية أو أيديولوجية نتيجة احتجاز عدد من عناصر الجماعات التي ينتمي إليها أو يتعاطف معها في الهند، مما يضفي بُعدًا دوليًا على القضية ويستدعي تنسيقًا أمنيًا عابرًا للحدود.
وكان موقع "تيمبو" الإخباري الإندونيسي قد نشر مقتطفًا من نص الرسالة التي زُعِم أنها وصلت من مرسل يُدعى APM، تضمنت عبارات تهديد وتحدٍ واضح للسلطات، مدعية أن عملية تفجير مقررة ستستهدف المطار والطائرة معًا، وذلك "إحياءً لذكرى" بعض الشخصيات والأحداث ذات الطابع الديني والسياسي.
وبحسب نص الرسالة، فقد زعم المرسل أن المواد الناسفة تم تهريبها ضمن حقائب الركاب وأزرارهم ومقابض حقائبهم، مدعيًا أن التصميم الهندسي تم تطويره في قسم الميكانيكا بجامعة افتراضية تُدعى "آنا"، فيما بدا أنه محاولة لبث الذعر باستخدام معلومات تقنية وعناصر حقيقية من بيئات جامعية وعسكرية.
ورغم التوتر الذي أثارته الرسالة، أكدت الجهات الأمنية لاحقًا أن التهديد لم يكن حقيقيًا، بل مجرد خدعة، إلا أن التحذير أدى إلى تطبيق إجراءات أمنية مكثفة استمرت لساعات طويلة، وتطلبت تعاونًا وثيقًا بين السلطات الأمنية والمختصين في الطيران المدني والاستخبارات.
وقد لقيت الحادثة اهتمامًا واسعًا في الأوساط الإندونيسية، لكونها مست أحد أبرز المواسم الدينية، وهي فترة الحج، حيث تستعد البلاد سنويًا لتسيير عشرات الرحلات الجوية إلى الأراضي المقدسة، ما يجعل أي تهديد خلالها حدثًا ذا حساسية خاصة سواء دينيًا أو لوجستيًا.
وفتحت هذه الحادثة باب النقاش من جديد حول تحديات أمن الطيران المدني، لاسيما في ظل تزايد التهديدات الرقمية التي تصل عبر الإنترنت أو البريد الإلكتروني، والتي تتطلب تقنيات استخباراتية متقدمة لرصد مصدرها وتقييم خطورتها، بما يضمن سلامة الرحلات والركاب دون التسبب في إرباك غير مبرر.
وأكدت السلطات الإندونيسية أنها تتابع عن كثب تطورات التحقيق بالتعاون مع وحدات مكافحة الإرهاب والشرطة، إضافة إلى التنسيق الجاري مع السعودية، وذلك لتبادل المعلومات المرتبطة بالحادثة وملاحقة مصدر التهديد، سواء كان فردًا أو جماعة أو كيانًا أوسع.
كما شددت الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب على أهمية التوعية بخطورة الإبلاغ الكاذب، مشيرة إلى أن مثل هذه التصرفات، حتى وإن كانت بدافع الاحتجاج أو التعبير، تعرض حياة مئات الأشخاص للخطر وتستنزف موارد أمنية ضخمة قد تكون مطلوبة في حالات فعلية أخرى.
ولا تزال السلطات الإندونيسية تتحفظ على بعض تفاصيل التحقيق لأسباب أمنية، في حين يستمر التحليل الرقمي والتقني للبريد الإلكتروني المرسل، كما يجري تعقب المصدر الجغرافي للإرسال لتحديد الدولة التي خرج منها التهديد بدقة.
وبينما تنشغل الجهات المختصة بجمع الأدلة وتحليل الخلفيات، تبقى هذه الحادثة بمثابة جرس إنذار جديد حول هشاشة المجال الرقمي عندما يُستخدم لأغراض التهديد، وتعيد طرح السؤال المتكرر حول ما إذا كان بالإمكان تقنين البريد الإلكتروني ومراقبته دوليًا لحماية الأجواء المدنية.
ومع انتهاء الفحص الأمني للطائرة وعدم العثور على أي متفجرات، سادت حالة من الارتياح بين الحجاج وأسرهم، غير أن الأثر النفسي الذي خلّفه الحادث لا يزال حاضرًا، خاصة مع تكرار مثل هذه الحوادث التي تختلط فيها الحقيقة بالإشاعة وسط عالم رقمي مفتوح.