تطور غير مسبوق.. تقنية ثلاثية الأبعاد تقود تحقيقات الحوادث بالسعودية

كشف المركز الوطني لسلامة النقل عن تبنّيه مجموعة من أحدث التقنيات الذكية المستخدمة عالميًا في تحقيقات السلامة، في خطوة نوعية تهدف إلى رفع كفاءة التحقيقات وتحقيق أعلى درجات الاحترافية والدقة في تحليل الحوادث على مختلف وسائل النقل، بما يتماشى مع المستهدفات الوطنية لتعزيز بيئة النقل الآمنة والمستدامة في المملكة.
وأكد المركز في تصريح خاص أن من بين أبرز هذه التقنيات التي بدأ العمل بها، تقنية المسح الضوئي ثلاثي الأبعاد، والتي تمثل نقلة نوعية في توثيق وتحليل الحوادث، حيث تتيح للفرق المختصة إمكانيات دقيقة في رصد وتوثيق مواقع الحوادث، بما في ذلك تموضع وسائل النقل المتضررة وجمع التفاصيل البيئية المحيطة بكل حادثة، ويُمكن هذا الأسلوب المتطور المحققين من بناء صورة واقعية دقيقة للموقع كما كان عليه وقت وقوع الحادث، باستخدام نماذج افتراضية ثلاثية الأبعاد يمكن تحليلها ومراجعتها لاحقًا في أي وقت، ما يمنح التحقيقات عمقًا وموثوقية غير مسبوقين.
إقرأ ايضاً:رينارد يُعلن قائمة المنتخب السعودي المشاركة في الكأس الذهبية 2025 وسط غياب نجوم الهلال"سعود عبد الحميد يحدد مستقبله الكروي.. وخطوة الهلال تنتظر الحسم!"
ويُعد هذا التحول التكنولوجي في صميم استراتيجية المركز الرامية إلى تبني أفضل الممارسات العالمية في مجال سلامة النقل، حيث لم تعد التحقيقات تعتمد فقط على الأدلة المادية والملاحظات الأولية، بل أصبحت مدعومة بتكنولوجيا تُمكّن من جمع وتحليل البيانات بشكل دقيق، ما يسهم في تقديم توصيات مبنية على تحليل علمي متكامل، ولفت المركز إلى أن هذه التقنية تُعد من الأدوات المعتمدة عالميًا في الدول المتقدمة في مجال تحقيقات حوادث النقل، مثل الولايات المتحدة وكندا وألمانيا، مما يعزز من موثوقية مخرجات التحقيقات السعودية ويمنحها مكانة إقليمية ودولية متقدمة في هذا المجال.
ويتيح النظام الذكي الجديد إمكانية إعادة بناء الحوادث بشكل رقمي ثلاثي الأبعاد، ما يساعد على تحديد السيناريوهات المحتملة لوقوع الحادث، وتحليل الزوايا الميكانيكية والبيئية والتقنية التي قد تكون ساهمت فيه، وتوفر هذه التقنية معلومات حيوية لصناع القرار، والجهات المسؤولة عن تطوير سياسات السلامة، والمصنعين، وحتى مشغلي وسائط النقل المختلفة، بهدف تقليل المخاطر وتفادي تكرار الحوادث مستقبلاً.
وتندرج هذه المبادرة التقنية ضمن جهود المركز المتسارعة لدعم منظومة السلامة الوطنية، حيث يعمل بشكل حثيث على تحقيق التكامل بين أدوات التحقيق الحديثة وبين فرق العمل المختصة، من خلال التدريب المكثف والتأهيل المستمر للعاملين في الميدان، مما يعزز من قدراتهم في استخدام التقنيات الحديثة والتعامل مع المشاهد المعقدة للحوادث بكفاءة عالية، كما أن هذا التوجه يعكس حرص المركز على أن تكون التحقيقات أكثر دقة وحيادية ومبنية على تحليل علمي وتقني بدلاً من الاجتهادات الفردية أو الأدلة الظرفية.
ويُعد هذا التطوير جزءًا من خارطة طريق أوسع يرسمها المركز لمواكبة رؤية المملكة 2030، التي تضع سلامة الإنسان ضمن أولوياتها الاستراتيجية، وتسعى إلى بناء منظومة نقل أكثر أمانًا وكفاءة واستدامة، وتُمثل هذه الخطوة أيضًا بُعدًا جديدًا في التعامل مع الحوادث، حيث لم يعد الهدف مجرد معرفة الأسباب، بل فهم السياقات وتحليل البيانات للوقاية، والانتقال من مفهوم "رد الفعل" إلى "الاستباقية".
ويعكس هذا التقدم التقني الطموح الكبير لدى الجهات المعنية في المملكة لقيادة المنطقة في مجال سلامة النقل، وامتلاك الأدوات التي تساعد على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة، ما سيُسهم في تعزيز ثقة المجتمع ومستخدمي وسائل النقل في كفاءة أنظمة السلامة والرقابة.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة التحديث في مختلف القطاعات، يبرز المركز الوطني لسلامة النقل كأحد النماذج السعودية الناجحة في تبني التكنولوجيا وتوطين المعرفة الفنية، بما يعزز من دور المملكة كمركز إقليمي متقدم في مجال النقل الذكي والسلامة المرورية.
وبينما تتجه المملكة إلى مستقبل يعتمد على البيانات والتحليل الرقمي في مختلف مناحي الحياة، تُشكل هذه المبادرة منعطفًا مهمًا في كيفية إدارة ملف السلامة، وتجعل من كل حادث فرصة لتعزيز الفهم والتحسين، بدلاً من مجرد التوثيق والمرور العابر، ولا شك أن ما بدأه المركز اليوم سيكون له أثر واسع على مستوى البنية التحتية للتحقيقات، وأثر أعمق على مستوى حماية الأرواح، وتقليل الخسائر البشرية والمادية الناتجة عن الحوادث.