بين الذكاء الاصطناعي والسكينة الروحية.. منصة التسكين الذكي ترسم مستقبل الحج

موسم الحج
كتب بواسطة: محمد حازم | نشر في  twitter

في كل موسم حج، تتكرّر المعاناة الصامتة التي يواجهها آلاف الحجاج، وخصوصًا أولئك القادمين ضمن الحملات الخارجية، حيث لا تقتصر التحديات على أداء الشعائر فقط، بل تتسع لتشمل تفاصيل حياتية صغيرة ولكنها مؤثرة، كالإقامة والتنقّل والبحث عن وسائل الراحة في بيئة مزدحمة بطبيعتها، وعلى الرغم من أن هذه التفاصيل قد تبدو هامشية لمن لا يعيش التجربة، إلا أنها تُلقي بظلالها الثقيلة على نفسية الحاج وتؤثر مباشرة في روحانيته وتركيزه خلال هذه الرحلة الإيمانية التي لا تتكرر كثيرًا في العمر.

وسط هذا السياق، برزت مؤخرًا تجربة جديدة تحمل في طياتها وعودًا كبيرة بتحول نوعي في طريقة تعاملنا مع هذه التحديات، إنها «منصة التسكين الذكي» التي سلطت الضوء على مقاربة مختلفة تمامًا، تعتمد على التقنية بوصفها وسيلة إنسانية في المقام الأول، وليست مجرد ترف أو إضافة ثانوية، فعندما يُصبح الهدف هو راحة الحاج وتخفيف أعبائه النفسية والجسدية في أقدس بقاع الأرض، فإن التقنية تتحوّل من وسيلة حديثة إلى ضرورة واقعية.


إقرأ ايضاً:«الأخضر» يستعيد أحد أسلحته قبل التصفياتصراع الملايين يشتعل بين النصر والاتحاد حول العمري والغامدي

ما يميّز هذه المنصة الجديدة، التي تقف وراءها شركة إثراء الضيافة القابضة، ليس فقط اعتمادها على التقنية كأداة، بل نوع التقنية وطريقة استخدامها، إذ تعتمد المنصة على الذكاء الاصطناعي وخوارزميات متقدمة تُعنى بتحليل معلومات الحاج بشكل دقيق، بدءًا من موقع السكن الأفضل له، ومرورًا بمسافة التنقّل بين المشاعر، وانتهاءً بتفاصيل الانتماء لحملة معينة أو بعثة خارجية، مما يجعل كل قرار متعلق بالتسكين أقرب إلى الاحتياج الفعلي منه إلى العشوائية الإدارية.

المنصة لا تُعامل الحاج كمجرد رقم في جدول، بل كإنسان له ظروفه ومتطلباته الخاصة، تسعى لأن تسبقه بخطوة، وأن توفّر له بيئة تساعده على التركيز في غايته الكبرى من هذه الرحلة: أداء المناسك بتفرغ وطمأنينة، هذا النوع من التفكير الاستباقي في إدارة الحج يُعد نقلة نوعية في مفهوم الضيافة، حيث يتم الانتقال من نمط التفاعل بعد وقوع المشكلة، إلى نمط التوقّع والمعالجة قبل أن تنشأ.

وما يعزّز قيمة هذه المنصة أنها لم تكتفِ بالحلول التقنية الكبرى، بل التفتت إلى ما قد يعتبره البعض تفاصيل صغيرة، مثل توفير خرائط تفاعلية تساعد الحاج على الوصول بسرعة إلى موقع إقامته، دون عناء البحث أو الاعتماد على آخرين في ظروف الازدحام الشديد، هذا النوع من الحلول هو ما يرفع من جودة التجربة بشكل عام، ويعزّز الإحساس بالاطمئنان والراحة لدى الحاج.

التجربة ليست مجرد تطبيق إلكتروني ذكي، بل هي انعكاس لفكر متطور يسعى إلى إعادة تعريف الخدمة في الحج، إنها صورة مصغرة عن كيف يمكن للتقنية أن تكون في خدمة الإنسان مباشرةً، وتعمل لصالحه لا فوقه، تتيح له أن يعيش الحج في أجواء أكثر تنظيمًا وهدوءًا، بعيدًا عن توترات التسكين وسوء الفهم أو التنقّل المرهق.

من الواضح أن هذا التوجّه ليس عشوائيًا، بل هو امتداد لفلسفة متكاملة تنتهجها إثراء الضيافة، تقوم على إعادة رسم علاقة الحاج بالخدمة، لتصبح أكثر حميمية وإنسانية، ففي كل خوارزمية ذكية في هذه المنصة، تنبض فكرة جوهرها أن الحاج لا يجب أن يضيع وقتًا أو طاقة في أمور لوجستية، بل يجب أن تُدار تلك الأمور من أجله وباسمه، ليبقى ذهنه صافياً وقلبه معلّقًا بالركن والمقام.

إن ما تقدمه منصة التسكين الذكي لا يغيّر فقط تجربة الحاج، بل يفتح أفقًا جديدًا في مستقبل إدارة الحشود والخدمات في مواسم الحج، وإذا نجحت المنصة في ترجمة وعودها إلى واقع ملموس، فإنها ستعيد تشكيل تجربة الحج بما يجعلها أكثر اتساقًا مع جوهرها الروحي، ويعزز قدرة الإنسان على التفرغ للعبادة والسكينة، بعيدًا عن مشقة التفاصيل.

وفي النهاية، فإن أعظم ما في هذه المبادرة ليس حجم التقنية المستخدمة، بل بساطة هدفها وإنسانية غايتها، فالذكاء الحقيقي، كما برهنت المنصة، لا يُقاس بعدد الخوارزميات، بل بقدرتها على جعل حياة الناس أسهل وأهدأ وأكثر انسجامًا مع قلوبهم.

اقرأ ايضاً
الرئيسية | اتصل بنا | سياسة الخصوصية | X | Facebook