انطلاق تفويج الحجاج من مشعر منى إلى مشعر عرفات

بدأت أفواج ضيوف الرحمن بالتدفق من مشعر منى في طريقها إلى مشعر عرفات، في رحلة إيمانية تعد ذروة مناسك الحج، ويومها الأعظم، انطلاق هذه الحشود المليونية يُعد مشهداً مهيباً يجسد الوحدة والتآخي بين المسلمين من مختلف بقاع الأرض، متوجهين نحو الوقفة الكبرى على صعيد عرفات الطاهر.
تواصل قوافل الحجاج تحركها بانسيابية وتنظيم، حيث تشرف الجهات المعنية على تأمين الطرق والممرات، وتوفير كافة الخدمات اللوجستية التي تضمن راحة وسلامة ضيوف الرحمن في مسيرتهم نحو عرفات، هذا التفويج المنظم يعكس جهود المملكة العربية السعودية الكبيرة في إدارة الحشود، وتوفير بيئة آمنة ومريحة للملايين من الحجاج.
إقرأ ايضاً:سعر الذهب في السعودية أول أيام عيد الأضحى.. عيار 21 يسجل هذا الرقم وفاء وتقدير: وزارة الداخلية تستضيف أسر شهداء الواجب لأداء فريضة الحج 1446هـ
يوم التروية هو المحطة الأولى والجوهرية في سلسلة مناسك الحج، فهو يمثل اليوم الثامن من ذي الحجة، وفيه تبدأ الجموع الغفيرة من حجاج بيت الله الحرام بالتوجه إلى مشعر منى للمبيت فيها، في رحلتهم الروحانية التي تتوج بالوقوف في مشعر عرفات في اليوم التاسع من ذي الحجة، والذي يُعرف بيوم الحج الأعظم، هذه المرحلة التمهيدية تُعد جزءًا لا يتجزأ من النسك، وتُهيئ الحجاج ذهنياً وروحياً للمحطة الكبرى.
وتُعد الأعمال التي يقوم بها الحجاج في يوم التروية سنة مؤكدة، حيث يُسن قدوم الحجاج المقرنين (الذين جمعوا بين الحج والعمرة) أو المفردين (الذين نووا الحج فقط) بإحرامهم إلى منى، ومن المستحب الوصول إلى منى قبل الزوال، أي قبل الظهر، ليصلي الحجاج بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، مع قصر الصلاة الرباعية دون جمع، ولا يختلف هذا الحكم بين أهل مكة المكرمة وغيرهم من الحجاج، استناداً إلى الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (كانَ يصلِّي الصَّلواتِ الخمسَ بمنى، ثمَّ يخبرُهُم أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- كانَ يفعَلُ ذلِكَ)، هذا الاقتداء بسنة النبي الكريم يُعطي هذا اليوم أهمية خاصة في قلوب الحجاج.
المبيت في منى ليوم الثامن من ذي الحجة يُعد سنة مؤكدة أيضاً، مصداقاً لما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، حيث قال: (فلمّا كان يومُ الترويةِ توجَّهوا إلى مِنى، فأهلُّوا بالحجِّ، وركب رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فصلَّى بها الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والفجرَ، ثمّ مكث قليلاً حتى طلعتِ الشمس)، هذه السيرة النبوية تُشكل الدليل والمرجع لأداء الحجاج في هذا اليوم، وعند طلوع شمس اليوم التاسع، وهو يوم عرفة، يسير الحجاج من منى إلى عرفات، مرددين التلبية والتكبير، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (كانَ يُهِلُّ منَّا المُهِلُّ فلا يُنْكِر عليهِ، ويُكَبِّرُ منَّا المُكَبِّرُ، فلا يُنْكِر عليهِ)، مما يُضفي على هذه المسيرة جواً من الروحانية والتعظيم لله.
ومن السنة الشريفة في هذا اليوم أن يكثر الحجاج من التلبية والتسبيح والتكبير، فهذه الأذكار تُعزز من الحالة الإيمانية للحاج وتُقربه من الله، كما يُستحب له الاغتسال، والتطيّب، وأن يقوم بما قام به من أعمال عند إحرامه من الميقات، مثل قص الأظافر وتنظيف الجسد، بالإضافة إلى عقد النية بالقلب، وترديد التلبية بقول: (لبَّيْكَ حجّاً)، هذه التفاصيل الصغيرة تُكمل صورة اليوم الكبير، وتُضفي عليه بعداً روحانياً عميقاً.
ويُعتبر مشعر منى موقعاً جغرافياً مهماً في خريطة الحج، حيث يقع بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة، على بُعد 7 كيلومترات شمال شرق المسجد الحرام، وهو مشعر يقع داخل حدود الحرم الشريف، يتميز بكونه وادياً تحيط به الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكن بشكل دائم، بل يُخصص لاستقبال الحجاج فقط خلال مدة الحج، ويحد مشعر منى من جهة مكة المكرمة جمرة العقبة، التي تُعد أحد محطات رمي الجمرات، ومن جهة مشعر مزدلفة يحده وادي محسر، هذه الملامح الجغرافية تُحدد مسار الحجاج وتُسهل عليهم التنقل بين المشاعر المقدسة، وتُشكل جزءاً لا يتجزأ من تجربة الحج الكبرى، التي تتطلب تنظيماً دقيقاً وجهوداً لوجستية هائلة لضمان راحة وسلامة ملايين الحجاج.