النفط يصعد بفعل قرار قضائي وعقوبات مرتقبة على روسيا

شهدت أسعار النفط العالمية ارتفاعًا ملموسًا خلال تعاملات يوم الخميس، مدفوعة بعدة عوامل تفاعلت في وقت واحد لتؤثر على معنويات السوق وتدفع بالمستثمرين نحو رفع تقييماتهم لعقود الخام الآجلة، فقد أظهرت المؤشرات الأولية في الأسواق تحسنًا بعد قرار محكمة أميركية بمنع دخول الرسوم الجمركية التي سبق أن فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ما أعاد بعض الطمأنينة إلى الأسواق التي كانت تخشى من آثار سلبية واسعة على التجارة الدولية، لا سيما في ظل التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها التجاريين.
ويُعد هذا القرار القضائي تطورًا لافتًا من شأنه التخفيف من حدة المخاوف بشأن تصاعد النزاعات التجارية، والتي كانت في الآونة الأخيرة من أبرز العوامل التي تضغط على أسعار النفط، نظرًا لما تحمله من احتمالات انخفاض في الطلب العالمي، كما يأتي في وقت حساس يتزامن مع توقعات متزايدة حول اتجاه الإدارة الأميركية الجديدة نحو تشديد العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وهو ما يعزز بدوره فرص تراجع الإمدادات النفطية الروسية إلى الأسواق، وبالتالي ارتفاع الأسعار نتيجة التقلص المحتمل في المعروض.
إقرأ ايضاً:بعد موسم بلا ألقاب.. إدارة النصر تبحث عن الحل في اجتماع مصيريصور جوجل تتحول إلى استوديو احترافي بفضل الذكاء الاصطناعي
وقد انعكست هذه المعطيات بشكل مباشر على أداء الأسواق، حيث ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت، وهو المعيار العالمي لتسعير النفط، بمقدار 81 سنتًا، ما نسبته 1.25%، ليصل سعر البرميل إلى 65.71 دولار، وذلك بحلول الساعة 01:02 بتوقيت غرينتش. كما صعدت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 83 سنتًا، أي بنسبة 1.34%، لتبلغ 62.62 دولار للبرميل، وتُعد هذه الزيادات مؤشراً على أن السوق بدأت تتفاعل بشكل إيجابي مع المستجدات السياسية والاقتصادية، خصوصًا في ظل الحذر السائد قبيل قرارات حاسمة منتظرة من تحالف "أوبك+" بشأن خطط الإنتاج للفترة المقبلة.
وتُراقب الأسواق باهتمام كبير ما ستسفر عنه الاجتماعات القادمة لمنظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) وشركائها، وسط تلميحات متباينة بشأن ما إذا كان التحالف سيقرر رفع الإنتاج في شهر يوليو/تموز المقبل استجابة لتعافي الطلب في عدد من الاقتصادات الكبرى، أو ما إذا كان سيواصل سياسة التقييد المتدرج من أجل الحفاظ على استقرار الأسعار في ظل استمرار حالة عدم اليقين المرتبطة بجائحة كورونا وتداعياتها على حركة الاقتصاد العالمي.
ويشير محللون إلى أن جزءًا من هذا الارتفاع السعري يعود أيضًا إلى عودة مستويات النشاط الصناعي في الصين والهند إلى معدلات أقرب للوضع الطبيعي، ما عزز التوقعات بزيادة الطلب على الطاقة خلال الربع الثالث من العام، وهي الفترة التي عادة ما تشهد ذروة في الاستهلاك بفعل ارتفاع درجات الحرارة وزيادة حركة النقل والسفر، كما لا يمكن إغفال تأثير عمليات المضاربة في الأسواق، حيث استغل المستثمرون حالة الترقب لقرارات العقوبات والإنتاج لإعادة تمركزهم في الأسواق، ودفع الأسعار نحو الأعلى في سياق البحث عن عوائد سريعة.
ومن جهة أخرى، ما تزال المخاوف الجيوسياسية تلقي بظلالها على السوق، خاصة مع تصاعد التوتر في مناطق عدة من الشرق الأوسط، ما يعزز بدوره من احتمالات تعطل الإمدادات، ويُضفي على السوق حالة من الترقب الحذر الذي عادة ما يترجم إلى تحركات سعرية حادة في الاتجاهين، ومع اقتراب الصيف، تزداد أهمية المتابعة الدقيقة للمتغيرات السياسية والاقتصادية، حيث تبدأ الدول في رسم معالم سياساتها الطاقية لما تبقى من العام، بناءً على مؤشرات الأسعار وواقع العرض والطلب.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، تبدو الأسواق النفطية ماضية نحو فترة من التقلبات المدفوعة بعوامل متنوعة، ما بين قرارات قضائية، وإجراءات سياسية، وقرارات إنتاجية، وتعافي اقتصادي غير متكافئ عالميًا، وكلها عناصر تجعل من متابعة أسعار النفط عملية شديدة الحساسية، تؤثر بشكل مباشر على أسواق المال، وموازنات الدول، واستراتيجيات الشركات الكبرى في قطاع الطاقة.